القضية الفلسطينية - القضية الفلسطينية حتى 1945
القضيّة الفلسطينيّة حتى 1945
I- وعد بلفور: 2 نوفمبر 1917:1)- الحركة الصهيونيّة:
استغلت الحركة الصهيونيّة العصبيّة الدينيّة لليهود المعتمدة على أفكار "الشعب المختار" و"المهمّة اليهوديّة" أو "المهمّة اليهوديّة" و"أرض الميعاد"، فارتكزت على العنصريّة والتوسّع فكانت حركة استعماريّة تطوّرت في نطاق السياسة الاستعماريّة الأروبيّة. فجسم هذا التلاحم تركيز قاعدة الامبرياليّة الأروبيّة في الشرق الأوسط.
نشأت الحركة الصهيونية خلال القرن التاسع عشر في ظلّ الحركة التوسعية الأروبية واتسمت هذه الحركة في بدايتها باتجاه تعاوني يهودي وكانت أروبا الشرقية مركزا لنموها. وأضفى الصحفي النمساوي "تيودور هرتسل" على الحركة صبغة سياسيّة عندما نشر في سنة 1896 كتابه "الدولة اليهودية" وأعلن في أنّ "الحلّ لجميع مشكلات اليهود المضطهدين في هذا العام، هو قيام الدولة اليهوديّة على رقعة من الأرض متّسعة تكفر أمة محترمة..." وقد تدعّمت هذه الصبغة في المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في أوت 1897 بمدينة بال في سويسرا وضمّ 204 نائب في جميع أنحاء العالم. وحدّد هذا المؤتمر هدف الحركة بأنّه "خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام". ولتحقيق هذا الهدف أوصى المؤتمر:
- بتشجيع استيطان العمال الزراعيين والصناعيين اليهود في فلسطين.
- بتنظيم جميع اليهود داخل مؤسّسات محليّة وجامعات عامّة طبقا لقوانين كل بلد.
- بتنمية الشعور والوعي القوميين لدى اليهود.
- باتخاذ المساعي التمهيديّة للحصول على موافقة الحكومة لتحقيق هدف الصهيونيّة.
وتحت ضغوط الأوساط الماليّة اليهوديّة بدأت انقلترا تهتمّ بالحركة الصهيونيّة فاقترحت في سنة 1902 منح اليهود منطقة العريش، ولكن هذا المشروع فشل بسبب معارضة الحكومة المصريّة واللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر. ثم اقترحت انقلترا منطقة في كينيا عرف بمشروع "أوغندة". فانقسمت الحركة الصهيونيّة بين مؤيد للمشروع ومعارض له مصرّ على التمسّك بفلسطين التي يعتبرها اليهود أرض الميعاد، فرفض المؤتمر الصهيوني العالمي السادس سنة 1903 هذا المشروع.
2) وعد بلفور:
بدأت الحركة الصهيونيّة في الانتشار من البلدان التي كان يتمتّع بها اليهود بنفوذ اقتصادي استغلوه لتحقيق أطماعهم. وقد هيّأت الحرب العالميّة الأولى الظروف الملائمة لذلك فركزت الحركة الصهيونيّة نشاطها على الحلفاء وخاصة انفلترا حيث قام حاييم وايزمان بدور رئيسي في التعاون مع انقلترا ومحاولة لحصول على وعد من الحلفاء لتحقيق أهدافهم. ووافقت هذه الطموحات مخططات انقلترا الاستعماريّة في الشرق الأوسط والمتجسّمة في الاتفاقية السريّة "سايكس بيكو" (1916) التي قسّمت تركة "الرجل المريض" إلى مناطق نفوذ.
ونجح الزعماء الصهاينة في الحصول من الحكومة البريطانية في نوفمبر 1917 على وعد في شكل رسالة من اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد روتشيلد أظهر فيها تعاطف الحكومة البريطانية مع فكرة إقامة مقر قومي يهودي في فلسطين مع احترام الحقوق المدنيّة والدينيّة لسكّان المنطقة الأصليين. في حين التزمت انقلترا قبل ذلك للشريف حسين الاعتراف باستقلال البلاد العربية ومن ضمنها فلسطين عند انتهاء الحرب العالمية الأولى مكافأة لها على مشاركتها في الحرب إلى جانب الحلفاء. وقد نال هذا التصريح من جهة موافقة إيطاليا وفرنسا وأثار مخاوف العرب. فحاولت انقلترا تهدئة هذه المخاوف عندما أكدت في أوائل 1918 للشريف حسين على عدم منح اليهود حقوقا سياسيّة في فلسطين ولكن مجرد إقامة مستوطنات خاصة باليهود في إطار فلسطين العربيّة، كما طمأنت انقلترا العرب بتنفيذها نقاط الرئيس ولسن. لكنّها فاجأتهم بعد تحرير فلسطين في أواخر الحرب بوضعها تحت الإدارة العسكريّة الانقليزيّة. وخلال انعقاد مؤتمر الصلح بباريس ضبط ميثاق عصبة الأمم الذي نص في المادة 22 على الانتداب وأصنافه وطريقة تطبيقه.
وفي أفريل 1920 أقرّ مؤتمر سان ريمو هذه المادة إذ وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني إلى جانب وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. بينما قامت السلط العسكرية بتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وضبطت رسميا المادة 95 من معاهدة "سيفر" المبرمة في أوت 1920 مسؤولية الدولة المنتدبة في فلسطين عن "تنفيذ تصريح بلفور الذي أصدرته الحكومة البريطانية في نوفمبر 1917" وأقرته دول الحلفاء فيما بعد.
وقد نصت المادة 22 في ميثاق عصبة الأمم "أن بعض الجماعات التي كانت من قبل تابعة للامبراطوريّة العثمانيّة قد وصلت من الرقي إلى درجة يستطاع معها الاعتراف مؤقتا بكيانها كأمم مستقلّة على أن تتولى المشورة والمعونة الإداريّة لها دولة منتدبة وذلك إلى الوقت الذي تصبح فيه قادرة على الوقوف وحدها، على أن يكون لرغبات هذه الجماعات، الاعتبار الأول في اختيار الدولة المنتدبة". ولكن هذه الرغبات لم تأخذ بعين الاعتبار إذ أقر مجلس عصبة الأمم في جويلية 1922 وثيقة الانتداب الانقليزي على فلسطين التي احتوت على ذكر وعد بلفور وموافقة الحلفاء على إقامة المقر القومي اليهودي وعلى مسؤولية انقلترا في ذلك مع التذكير بالعلاقة التاريخيّة التي تربط اليهود بفلسطين وأسباب إقامة هذا المقرّ لهم. أمّا المادة 2 من هذا الميثاق فقد نصت على أن "تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي (...) وتكون مسؤولة أيضا عن صيانة الحقوق المدنيّة لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين".
وهكذا تمكّنت الحركة الصهيونية من تحقيق جزء هام من أهدافها خلال الحرب العالميّة الأولى وأثناء مؤتمر الصلح الذي خيّب أمال العرب في الاستقلال.
II- سياسة الانتداب البريطانيّة:
قامت انقلترا قبل إقرار وثيقة الانتداب من طرف عصبة الأمم باستبدال النظام العسكري بإدارة مدينة يسيرها مندوب سام انقليزي من أصل يهودي ومتحمّس للحركة الصهيونية: هربارت سموئيل. وظهر تحيزه لهذه الحركة دون مراعاة حقوق العرب حين سارع بتعيين اليهود في الوظائف الإدارية السامية وبتشريك اللجنة الصهيونية التنفيذية في إدارة شؤون اليهود. وأوجد هذا المندوب السامي الظروف الملائمة لإقامة المقرّ القيومي اليهودي.
1) الهجرة اليهوديّة:
سمح المندوب السامي للوكالة الصهيونية العالمية وللوكالة اليهودية التي يرأسها ويزمان لاتخاذ فلسطين مركزا لنشاطهما ومنحهما امتيازات في اختيار اليهود المهاجرين لفلسطين، كما وضعت الإدارة البريطانيّة على ذمة المهاجرين اليهود الأراضي التي انتزعت من العثمانيين وسنت تشريعات نقلت بمقتضاها ملكيّة الأراضي العربيّة إلى الإدارة البريطانيّة التي أسندتها بدورها إلى اليهود، كما رفعت من نسب الضرائب الفلاحية لإجبار الفلاحين الفلسطينيين على التفريط في أراضيهم لتسديد الديون والضرائب المجحفة وقد مكنت بذلك اليهود من الاستحواذ على أخصب الأراضي خاصة السهول الساحليّة والشماليّة.
2) سياسة التضليل والخداع البريطانيّة:
إثر انتفاضة أفريل 1920 ألفت انقلترا لجنة التحقيق العسكرية لتظهر أمام الرأي العام في موقف الحكم لتنظر في أسباب ثورة الفلسطينيين ضد اليهود ومهاجمتهم لهم في القرى. وتشكلت لجنة ثانية إثر انتفاضة الفلسطينين في مارس 1921 عرفت بلجنة "هيكرافت" للتحقيق في أسباب هذه الحوادث. وتجاهلت انقلترا شكاوى العرب التي وردت في تقرير اللجنتين وتمادت في سياسة التهويد.
ولتبرير ذلك رسمت انقلترا خطة لتحميل العرب مسؤولية عجزها عن إقامة حكم ذاتي في فلسطين لعدم تعامل العرب معها فأصدرت في سبتمبر 1922 الكتاب الأبيض الأول ضمنته دستورا لفلسطين ينص على تكوين مجلس تشريعي متركب من 22 عضوا (10) موظفين انقليز يعينهم المندوب السامي و8 فلسطينين مسلمين منتخبين ومسيحيين (2) منتخبين ويهوديين (2) منتخبين ويعطى هذا الدستور لسياسة التهويد صبغة قانونية ويضمن أيضا هيمنة الانفليز واليهود. رغم معارضة الفلسطيين قام المندوب السامي بتعيين أعضاء المجلس الاستشاري من بين الانقليز واليهود.
وإثر ثورة أوت 1929 عمدت الإدارة البريطانيّة كعادتها إلى تشكيل لجنة برئاسة ويلتر شو واعتمادا على توصيات هذه اللجنة أصدرت الحكومة البريطانية كتابا أبيض جديدا سنة 1930 تضمن إعادة النظر في الهجرة وتحديدها وتأسيس مجلس تشريعي. وتخوفت انقلترا عند قبول المشروع من طرف الفلسطينيين من حين قاومته الأوساط الصهيونية في أروبا وأمريكا. مما أدى بها إلى التراجع عما اقترحته في الكتاب الأبيض الذي تعهدت فيه بمواصلة تشجيع الهجرة اليهودية فارتفع عدد المهاجرين بسبب اليهود الفارين من الاضطهاد النازي فكان ذلك سببا في ثورة فلسطين الكبرى سنة 1936.
وأمام اتساع رقعة المقاومة اضطرّت انقلترا إلى تشكيل لجنة ملكيّة برئاسة اللورد بيل وذلك لدراسة الوضع وتفضي أسباب الاضطرابات التي أرجعتها إلى رغبة العرب في الاستقلال ومعارضتهم لإقامة المقر القومي اليهودي، كما اعترضت اللجنة بتناقض تعهدات انقلترا تجاه العرب واليهود خلال الحرب العالمية الأولى وأوصت أخيرا بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق:
- دولة يهودية تضم القسم الساحلي حتى حيفا.
- دولة عربية تمتد على شرقي فلسطين والساحل الواقع جنوب يافا.
- منطقة خاضعة لإدارة الانتداب تضم القدس والأماكن المقدسة وبيت لحم والناصرة.
وعقب ذلك أصدرت الحكومة البريطانية خلال 1937 كتابا أبيض قبلت فيه توصيات لجنة بيل بما في ذلك مشروع التقسيم. لكن هذا المشروع لاقى معارضة شديدة من طرف الفلسطينيين والمؤتمر العربي المنعقد في بلودان بسوريا سنة 1937 إذ طالب المؤتمرون إلغاء وعد بلفور الانتداب البريطاني وبذلك عجزت انقلترا عن تطبيق المشروع الأول للتقسيم. وفي أوائل 1939 بينما كانت الحرب العالمية الثانية تنذر بالاندلاع كانت بريطانيا تحرص أشد الحرص على مساعدة العرب للحلفاء فدعت إلى عقد مؤتمر لندن الذي حضرته بعض الدول العربية كمصر والسعودية إلى جانب الصهاينة. وعلى إثر هذا المؤتمر صدر الكتاب الأبيض لسنة 1939 يحمل اتجاهات السياسة الجديدة التي أزمعت بريطانيا انتهاجها في فلسطين. فأعلنت عزمها عن تأسيس دولة مستقلة في فلسطين ترتبط ببريطانيا بمعاهدة لمدة عشر سنوات والسماح لعشرة آلاف يهودي بالهجرة إلى فلسطين كل سنة من السنوات الخمس التالية على أن تتوقف بعد ذلك ما لم يسمح العرب باستمرارها وأعلنت الحكومة البريطانية أنه يجب وضع حد لاستملاك اليهود لأراضي جديدة في فلسطين. ولاقى هذا الكتاب ردود فعل عنيفة عند الصهيونيين وتظاهروا احتجاجا عن السياسة البريطانية الجديدة في حين لم تكن ردود الفعل عند العرب كلها مؤيدة. فجاء رفض الصهاينة في المؤتمر المنعقد بنيويورك في ماي 1942 الذي دعى إلى إعادة فتح أبواب الهجرة أمام اليهود إلى فلسطين وإلى تحويل البلاد إلى كومنولث يهودي. وعلى أساس هذا البرنامج تقدمت الوكالة اليهودية من الحكومة البريطانية بالمطالبة التالية:
- إعلان قرار فوري باعتبار فلسطين دولة يهودية.
- منح الوكالة اليهودية حق الإشراف على الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
- منح تعويضات عينية من ألمانيا لليهود ليعاد بناء اقتصاد فلسطين.
- ضمان جميع التسهيلات الدولية لنقل اليهود الراغبين في استيطان فلسطين.
واعتمد الصهاينة في سياسة القمع على منظمات عسكريّة إرهابية كمنظمة "الهاجاناه" التي تكونت إثر الحرب العالميّة الأولى من اليهود الذين شاركوا في الحرب، وتزايد عدد أفراد هذه المنظمة مع تدفق المهاجرين إلى فلسطين فبلغ عددهم 60.000 في سنة 1946. وانشقت عن "الهاجانه" عصابتا "الارغون" بزعامة "مناحيم بيغين" وعصابة "شتيرن" المتطرفتان. فقامت العصابة الأولى بنسف القطارات ومهاجمة المعكسرات البريطانية لسرقة الأسلحة والقرى العربية وحاولت اغتيال المندوب السامي الفلسطيني في أوت 1944 واغتالت بالقاهرة اللورد مويسن البريطاني المناهض للصهيونية وساعدت الكثير من اليهود في دخول فلسطين بصورة غير شرعية.
III- الحركة الوطنية الفلسطينيّة حتى نهاية الحرب العالميّة الثانية:
1) المقاومة قبل الانتداب البريطاني:
بدأت المقاومة الفلسطينية للهجرة اليهودية إلى فلسطين قبل الانتداب البريطاني بسنوات قليلة. وتخوّف الفلسطينيون وساورتهم الشكوك في نوايا اليهود أمام تصاعد عدد المهاجرين وتأسيس المستعمرات اليهودية الزراعية في الأراضي التي اشتروها من العرب بأثمان باهضة وإنشاء الجمعيات لتشجيع الهجرة كجمعية "محبي صهيون" و"البيلو" (بيت يعقوب) وإحياء اللغة العبريّة. واحتجاجا عن ذلك أرسل الفلسطينيون عريضة إلى السلطان التركي يطالبون فيها بمنع المهاجرين اليهود من دخول البلاد ومنعهم من شراء الأراضي فيها. وبعد سنة 1908 اشتدت هجمات الفلسطينيين على المستعمرات اليهودية في شمال البلاد لكن السلطات العثمانية قامت بحماية اليهود والسماح لهم بتكوين حرس يدافعون بهم عن أنفسهم.
ثم قام الفلسطينيون بتأليف جمعيات لمقاومة الصهيونيين. فتألف في يافا الحزب الوطني وأرسل المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بالقدس في فيفري 1919 برقية احتجاج إلى مؤتمر الصلح بباريس ضد وعد بلفور وخاصة ضد معاهدة "سيفر" التي أقرت هذا الوعد. ولم تسفر هذه الاحتجاجات عن أي نتيجة بل تواصلت الهجرة فتظاهر الفلسطينيون وحدثت اشتباكات بينهم وبين اليهود في ماي 1920 في العديد من المدن. وهكذا تتالت الاحتجاجات من مختلف المنظمات العربية استنكارا لوعد بلفور وانعقد المؤتمر الفلسطيني العام قبل منتصف عام 1921 ثلاث مرات.
2) المقاومة الفلسطينيّة في ظلّ الانتداب:
خابت آمال الفلسطينيين التي علقوها على مؤتمر الصلح فتطور كفاحهم من أساليب المظاهرات والاحتجاجات إلى أساليب العملية فتوالت الانتفاضات.
أ- انتفاضة 1921:
في أول ماي 1921 حدثت اشتباكات كبيرة في مدينة يافا والمنطقة المجاورة أظهرت عداء الفلسطينيين للبرنامج الصهيوني وسخطهم على حكومة الانتداب. وتشابك العرب واليهود في حي المنشية بيافا وامتدت الاشتباكات إلى خارج يافا وهاجم العرب المستعمرات اليهودية واستمرت الاضطرابات 15 يوما. وإثر هذه الانتفاضة نشطت الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة فانعقد المؤتمر الفلسطيني الرابع في القدس وأرسل وفدا إلى الحكومة البريطانيّة ترأسه كاظم باشا الحسيني وطالب الوفد بحكم وطني اعتمادا على الوعد الذي قطعته بريطانيا للشريف باشا الحسيني في مراسلاته مع مكماهمون وباقي الوعود والتصريحات الأخرى وإلى المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم. لكنّ وزير المستعمرات البريطاني "تشرشل" أنكر أن يكون الوعد الذي قطعته بريطانيا على نفسها للعرب كان يقضي بأن تكون فلسطين ضمن المنطقة العربيّة.
كانت الفترة من 1925 إلى 1928 فترة هدوء نسبي. فبداية من 1925 تدفق تيار الهجرة فوفد على البلاد 51.000 مهاجرا خلال هذه الثلاث سنوات واتسعت مساحات الأراضي التي كان يملكها الصهيونيون في أخصب مناطق فلسطين. ومنذ 1927 أخذت الوكالة اليهودية تضم الصهيونيون وغيرهم.
هذه المخاطر التي كانت تهدد العرب كانت العوامل الرئيسية التي أدت إلى انتفاضة عام 1929. أمّا العامل المباشر فكان اعتداء اليهود على حائط المبكى الذي يشكل الجهة الغربية من ساحة الحرم الشريف. فقد قام اليهود بمظاهرة احتجاجا على منع العرب لليهود من إقامة ستائر ومقاعد قرب الحائط فهاجم العرب اليهود في مختلف مناطق فلسطين. وكانت ردود فعل السلط البريطانية عنيفة فأعدمت ثلاثة فلسطينيين.
ج- الثورة الفلسطينيّة الكبرى لسنة 1936:
انطلقت الثورة من حادث سطو قامت به عصابة على قافلة من السيارات قتل فيها يهودي فرد اليهود على هذه الحادثة بسلسلة من الاعتداءات والحوادث الاستفزازية خاصة في يافا، فقرّر الزعماء الفلسطينيون شنّ الإضراب العام. فقامت الحكومة البريطانيّة بحشد الجند في البلاد وإصدار قانون الطوارئ ونسف البيوت واعتقال الزعماء. وتحول الإضراب السلمي إلى ثورة منظمة تولى قيادتها فوزي القاوقجي الضابط المتخرج من المدرسة العسكرية باستنبول. وقابلت السلطات ثورة أهل البلاد بإجراءات تعسفيّة شديدة من نهب البيوت والممتلكات واعتقال الشبان الفلسطينيين.
واستجاب ملوك العرب وحكوماتهم لضغط الرأي العام العرب بوجوب التدخل. وبعد مشاورات وجه الملك ابن مسعود والأمير عبد الله نداءات ذات صيغة واحدة إلى الفلسطينيين تدعوهم إلى الإخلاء للسكينة "معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل". واستجابت اللجنة العربية العليا لهذه النداءات وأوقفت الإضراب. وأوصت اللجنة الملكيّة البريطانيّة التي وفدت على فلسطين للتحقيق بتقسيم البلاد. واستنكر الزعماء الفلسطينيون توصيات اللجنة الملكيّة فاجتمعوا في مؤتمر بلودان بسوريا بين 8 و10 سبتمبر حضرته عدّة بلدان عربيّة وهي فلسطين وشرق الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر والحجاز. ورفض المؤتمر التقسيم وأصرّ على إلغاء الانتداب.
وكانت ثمار الثورة الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1939 ورجعت فيه عن سياسة التقسيم. لكن التدخل الأمريكي إلى جانب اليهود والإرهاب الصهيوني في فلسطين أديا إلى إلغاء الكتاب الأبيض.
غير أن نشوب الحرب العالمية الثانية وحلول التعاون بين الإدارة الفرنسيّة والإدراة البريطانيّة محل التنافس وانضمام الدول العربيّة المجاورة لفلسطين إلى جانب الحلفاء عطّلت الثورة الفلسطينيّة.
ففي هذه المرحلة من تاريخ الشعب الفلسطيني تظاهرت بريطانيا بالبروز كطرف حيادي في صورة الدولة المنتدية فقط فعمدت إلى الخداع بإيفاد اللجان والتحقيق إثر كل شكوى وانتفاضة عربيّة لتغطية موقفها المتآمر ومهمّتها الرئيسيّة في فلسطين.
كتاب التاريخ السنة السادسة علوم رياضيات والسابعة آداب الجزء الثاني طبعة 1980
اعجبني
ردحذف