القضية الفلسطينية - القضية الفلسطينية وأزمة الشرق الأوسط إلى سنة 1956
القضيّة الفلسطينيّة وأزمة الشرق الأوسط إلى سنة 1956
I- تطور الأوضاع في الشرق الأوسط حتى سنة 1947:1) الشرق العربي أثناء الحرب العالميّة الثانية:
اكتسى الشرق العربي خلال الحرب العالميّة الثانية أهميّة بالغة نظرا لموقعه الجغرافي وثرواته النفطيّة خاصة بعد أن بلغت قوّات المحور القوقاز والعلمين فهدّدت بذلك المصالح الانقليزيّة في المنطقة. وقد تمكّنت انقلترا من مجابهة هذا الخطر مستفيدة بمساندة بعض الدول العربيّة لها.
ففي مصر، أصبحت البلاد، طبقا لبنود معاهدة 1936، قاعدة انقليزيّة خلال الحرب حيث سخّرت كلّ إمكانياتها الاقتصاديّة والبشريّة لصالح المجهود الحربي الانقليزي في الشرق. واغتنمت انقلترا هذه الظروف لتتدخل في الشؤون السياسية المصرية حتى أنها أجبرت الملك فاروق في فيفري 1942 على إعادة حزب الوفد إلى الحكم نظرا لمؤازرته لها. أمّا في العراق فقد سعت الدعاية النازية إلى تأليب العراقيين ضدّ الهيمنة الانقليزيّة التي اشتدّت بغية المحافظة على آبار النفط بالبلاد ممّا جعل المعارضة الوطنيّة للانقليز تنمو خاصة في صفوف الجيش. فنظّم كبار الضباط في أفريل 1941 انقلابا عسكريّا ضدّ حكومة نوري السعيد المتواطئ مع انقلترا. وانبثق عن هذا الانقلاب حكومة جديدة برئاسة أحد الوزراء القدامى رشيد عالي الكيلاني. فاعتبرت انقلترا هذه الحركة امتدادا للنفوذ الألماني واستغلت قرارها القاضي باستعادة القواعد العسكريّة الانقليزيّة في البلاد لتوجه قوات عسكرية هامة للبصرة وتحتلّ بغداد. فسقطت حكومة رشيد عالي الكيلاني واستعادت انقلترا هيمنتها على العراق بعد ان ألفت حكومة موالية لها، وقد اعتمدت انقلترا في ذلك على تأييد أمير شرق الأردن، عبد الله بن الحسين الذي أرسل جيوشه للعراق خدمة للنفوذ الانقليزي بالشرق وطمعا في كسب تأييد انقليزي لتحقيق أطماعه التوسعيّة.
أمّا في سوريا ولبنان، وبعد هزيمة فرنسا على أرضها أمام ألمانيا، فقد سمح المفوّض السامي الجنرال دانتز (DENTEZ) الموالي لحكومة فيشي، للألمان باستخدام المطارات السوريّة. فاصبحت المواقع الانقليزيّة بالمنطقة مهدّدة بصفة مباشرة ممّا دفع بالقوات الانقليزيّة المعزّزة لقوات "فرنسا الحرّة" بقيادة الجنرال كاترو إلى مهاجمة سوريا ولبنان في جويلية 1941 مع وعد سكّانها بالاستقلال. وبعد أن أطردت قوّات دانتز من سوريا، أعلن الجنرال كاترو والمندوب العام لفرنسا الحرّة، إنهاء الانتداب الفرنسي على سوريا في سبتمبر 1941 ولبنان في نوفمبر 1941. لكن هذا الاستقلال كان شكليا نظرا لتمادي مرابطة الجيوش الفرنسية والانقليزية بالبلاد. وتألفت حكومات وطنية في البلدين غير أن فرنسا سعت في نهاية الحرب لتأمين مصالحها بالجهة بإقامة قواعد عسكرية. فنجم عن ذلك تعدد المظاهرات والإضرابات في سوريا أخدمتها القوات الفرنسية بوحشية بالغة يومي 29 و 30 ماي 1945. لكن تصاعد المعارضة الوطنية السورية أرغم فرنسا على إجلاء قواتها ومنع الاستقلال إلى سوريا في افريل 1946 ولبنان في ديسمبر 1946.
نظرا للمعطيات الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط ولكي تحافظ انقلترا على مكانتها أوعزت للعرب بإقامة تجمع يدعى "الهلال الخصيب" ويضم العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ويخضع لنفوذها الاقتصادي خاصة. لكن هذا المشروع أخفق نظرا لعدم موافقة بعض الدول العربية المعنية، ولتطور قضية فلسطين. وأمام هذا الإخفاق عملت انقلترا اعتمادا على الأنظمة العربية الرجعية، على كسب جامعة الدول العربية التي تأسست في مارس 1945 من مصر وسوريا ولبنان، وشرق الأردن والعراق واليمن والعربية السعودية. وقد اتخذت هذه الجامعة القاهرة مقرا لها، وحددت لنفسها عدة أهداف من أبرزها الاهتمام المطلق بقضية فلسطين وتوثيق العلاقات بين الدول العربية، وعدم الالتجاء إلى القوة لفض النزاعات بين الدول الأعضاء.
2) قضيّة فلسطين أمام الأمم المتّحدة:
انتهز الصهيونيون ظروف الحرب فانضم عدد كبير منهم إلى جيوش الحلفاء وتمكّنوا من التدرّب على الأسلحة والأساليب الحربيّة. وعندما أشرفت الحرب على نهايتها نقلت انقلترا الفرقة اليهوديّة المنضوية داخل جيشها إلى فلسطين حيث تمّ تسريحها بعتادها الحربي. فساهمت في تكوين نواة لعدّة عصابات إرهابية "كالهاجانا"، و "شترن". ومن ناحية أخرى تمكن الصهيونيون من كسب مساندة الولايات المتّحدة وخاصة الدوائر السياسية والرأي العام الأمريكي بعد أن رفضوا الكتاب الأبيض الصادر في سنة 1939، خلال المؤتمر المنعقد في ماي 1942. وقد تجلّت هذه المساندة حين قرّر الكنغرس الأمريكي في جانفي 1944 تشجيع الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين وقيام دولة يهوديّة لها، وتدعّمت هذه المساندة بتبني هذه المواقف من طرف الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي أثناء الحملة الانتخابيّة الرئاسيّة في أواخر 1944. وفي سبتمبر 1945 أصدع الرئيس توومان رسميا بموقف الولايات المتحدة حين ألح على انقلترا قبول 100.000 مهاجر يهودي لفضّ مشكلة اليهود المتشردين في أوروبا.
ولقد استغلت انقلترا اهتمام الولايات المتحدة باليهود لتشركها سنة 1946 في لجنة تحقيق تقوم بدراسة أوضاع اليهود وإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية. وباشرت اللجنة الانقليزية الأمريكية مهمتها في جو من الاضطرابات التي نظمتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين والإدراة البريطانية في فلسطين، وأصدرت في أول ماي 1946 تقريرا يقضي بمنح 100.000 رخصة هجرة لليهود ورفض إقامة دولة يهوديّة أو دولة عربية في فلسطين. ورغم تحيزها لليهود فقد فشلت اللجنة في مهمتها حيث رفض الطرفان الفلسطيني واليهودي هذا التقرير. وبينما عمد الصهيونيون إلى تصعيد الإرهاب في فلسطين بنسف السكك الحديدية، وتدمير الجسور وبث الألغام ونهب المعسكرات الانقليزية وتكثيف الهجرة غير الشرعية. قامت انقلترا بمحاولة أخرى لإيجاد حل للمشكلة فنظمت مؤتمر لندن الذي جمع الفلسطينيين واليهود. وإثر فشل هذا المؤتمر أعلنت انقلترا عن تخليها عن قضية فلسطين وإحالتها على الجمعية العامة للأمم المتحدة في بداية أفريل 1947 ودعتها إلى عقد دورة استثننائية لبحث هذه المشكلة.
التأمت الجمعية العامة في 25 أفريل 1947 وقررت تأليف لجنة تحقيق تضم إحدى عشر دولة. وبعد معاينة الوضع ودراسته اقترحت اللجنة تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية ووضع القدس والأماكن المقدسة تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة. وبعد مناقشة تقرير اللجنة، أقرّت الجمعية العامة في 29 نوفمبر 1947، مشروع التقسيم بأغلبية 33 صوت مقابل 13 صوتا وامتناع عشر دول من بينها انقلترا عن التصويت.
II- حرب فلسطين ونتائجها:
1) هزيمة العرب الأولى أمام إسرائيل: النكبة:
أمّا على الصعيد العسكري فمكّنت الهدنة الصهيونيين من تدارك الوضع بالحصول على كميات ضخمة من جميع أنواع الأسلحة، وبتعزيز قواتهم بالمزيد من المقاتلين والمتطوعين وتدريبهم، وبتنظيم الجيش. بينما لازمت الدول العربية احترام شروط الهدنة خاصة وقد فرضت عليها الدول الأروبية حظر التزود بالسلاح. ولما استؤنف القتال خلال جويلية 1948 انقلب ميزان القوى لصالح القوات الإسرائيلية التي أرغمت الجيوش العربيّة على التراجع والتخلي على مراكزها في جميع الجبهات.
وتدخل مجلس الأمن وقرّر في جويلية 1948 هدنة جديدة إلاّ أنّ الجيش الإسرائيلي واصل هجومه وركز خرق قرار مجلس الأمن على الجبهة المصريّة. فتدخلت الجيوش اليهوديّة في قطاع غزة وتوغلت داخل حدود مصر في سيناء، وبلغت خليج العقبة وأقامت ميناء ايلات. كما خرق اليهود الهدنة في الشمال وانتزعوا الجليل الغربي. وفي الأثناء عمد الصهيونيون إلى اغتيال الوسيط الدولي برنادوت بالقدس إثر إعداده تقريرا يكشف فيه عن خرق الهدنة من طرفهم.
قامت الدول العربية، المتحاربة مع إسرائيل، بين فيفري وجويلية 1949 بتوقيع هدنة دائمة مع إسرائيل بعد أن غنمت هذه الأخيرة 6700 كيلو مترا مربعا بالإضافة للمساحة التي خصّصها قرار التقسيم للدولة اليهوديّة. أمّا مملكة شرق الأردن التي أقامها الانقليز في مارس 1921 لصالح عبد الله بن الشريف حسين لمنعه من الثأر لأخيه فيصل المطرود من إسرائيل، فقد ضمت الضفة الغربيّة لنهر الأردن (5000 كلم²) فتكوّنت بذلك منذ 1950 المملكة الأردنيّة الهاشميّة. وخضع قطاع غزة للإدارة المصريّة، بينما بقيت القدس مقسّمة إلى منطقة شرقية تحت الإدارة الأردنية ومنطقة غربية خاضعة لإسرائيل. وحين أصدرت الأمم المتّحدة في ديسمبر 1948 قرارا لتدويل مدينة القدس قبلته الدول العربية بينما رفضه كلّ من الأردن وإسرائيل. أظهرت الحرب العربية الإسرائيليّة الأولى عجز الأنظمة العربيّة وتنافر القادة السياسيين وإيثارهم مصالحهم الشخصيّة على القضيّة الفلسطينيّة.
2) تشتّت الفلسطينيين:
لقد نجم عن حرب 1948 تشتت جغرافي للفلسطينيين. وكان المجتمع الفلسطيني قد استهدف إلى التفكك قبل الحرب. فمنذ صدور قرار التقسيم كثفت العصابات الصهيونية خاصة الهاجانا، شترين والارغون عملياتها ضد جيش التحرير العربي، و"اللجان القومية" التي أقامها الفلسطينيون في القرى والمدن وقد ارتكز إرهاب هذه العصابات على اقتراف جرائم فظيعة ضد الفلسطينيين لحملهم على ترك ديارهم والتخلي عن ممتلكاتهم. ففي 9 أفريل 1948 عمد الصهاينة إلى تنظيم مجزرة "ديرياسين" الواقعة في منطقة القدس، حيث داهموا القرية وفتكوا بأهلها وذبحوا حوالي 250 نفرا من سكانها دون تمييز بين الشيوخ والنساء والأطفال. ورغم استنكار الرأي العام العالمي فقد أعادوا نفس الجريمة في قرية "ناصر الدين". كما تجددت هذه الفضائع بعد قيام دولة إسرائيل إذ استهدفت قرية "كفر قاسم" في 29 أكتوبر 1956 لعمليّة تقتيل وحشيّة.
لقد حققت سياسة الإرهاب أهدافها حيث غادر فلسطين خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 1948 350000 فلسطيني، وتضخم هذا العدد خلال الحرب إذ بلغ 757000 لاجئ التحقوا بالقسم الشرقي من فلسطين وبالدول العربية خاصة الأردن. ولم يبق في الأراضي التي خضعت لدولة إسرائيل إلا 160000 فلسطيني.
وقد تجمع هؤلاء اللاجئين في مخيمات عانوا فيها ظروف حياة قاسية، وإثر مطالبة اللاجئين والدول العربية بالعودة إلى مناطقهم، أصدرت الأمم المتحدة في ديسمبر 1948 قرارا ينص على ضرورة السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم وتقديم إسرائيل تعويضا عن الأملاك للذين يبقون خارج إسرائيل. كما أنشأت الأمم المتحدة خلال 1949 وكالة الإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اتخذت بيروت مقرا لها.
3) حركة التحرير الوطني الفلسطيني:
ظلّت القضيّة الفلسطينيّة قضيّة مكبّلة بالغموض والملابسات مضافة إلى عدّة عوامل غير مستقلّة عنها. ففي المجال العالمي اعرتفت معظم الدول بإسرائيل وساعدتها ماديّا وأدبيّا واعتقدت أن كيانها تهدّده الدول العربية وأنّ الفلسطينيين ليسوا إلا لاجئين عربا لهم وطن عربي فسيح قادر على استيعابهم كلهم. والسبب في عطف الرأي العالمي على إسرائيل من جهة واستخفافه بحقوق الفلسطينيين من جهة أخرى راجع إلى الدعاية الصهيونيّة القائمة على استغلال أخطاء العرب ووعودهم بمحق إسرائيل رغم هزائمهم المتكرّرة.
ولمّا أدرك الفلسطينيون خاصة بعد هزيمة جوان 1967 أن قضيّتهم ليست قضيّة نزاع بين العرب واليهود إنّما هي قضيّة شعب مستعمر مشرد يكافح من أجل استقلاله وسيادته واسترجاع وطنه وأن شرف الكفاح الوطني من أجل فلسطين يرجع إلى الفلسطينين قبل غيرهم عند ذلك كوّنوا منظمة التحرير الفلسطيني وبدأوا يسجلون أولى انتصاراتهم العسكرية والدبلوماسية.
III- تصادم المصالح الإمبريالية بالوعي الوطني:
رغم حصول دول الشرق الأوسط على الاستقلال السياسي فقد حافظت انقلترا خاصة على امتيازاتها الاقتصادية والاستراتيجية بالجهة، في مناطق استغلال النفط وقناة السويس. وقد اعتمدت انقلترا في ذلك على بقايا الاتفاقيات التي عقدتها مع الأنظمة الملكية في العراق والأردن ومصر. وكانت هذه الأنظمة المحافظة ترتكز على أسس تقليدية هيمن عليها الإقطاعيون فعم الفساد والرشوة الجهاز الإداري. وترتب عن استمرار الهيمنة الاقتصادية الأجنبية، وعجز الأنظمة خاصة العربية بعد عام النكبة، تطور الوعي الوطني حيث أدركت نخبة محلية أن الاستقلال الحقيقي لا يكتمل إلا بثورة شاملة تقوص هذه الأوضاع. وقد عملت هذه النخبة، أصيلة الأوساط الشعبية، على بث هذا الوعي في صفوف الجماهير مستغلة تجمع السكان في المدن وتطور وسائل الإعلام، كما قامت في بعض البلدان بمحاولات جادة لتجسيمه.
1) أزمة النفط:
حاولت الدول الغربية الاحتفاظ بمصالحها في الشرق الأوسط خاصة وأن بلدان هذه المنطقة تملك ثروات نفطية طائلة تقدر بحوالي ثلثي الاحتياط العالمي. وقد كانت الشركات النفطية العالمية تدفع جزءا من عائدات النفط إلى الدول المنتجة التي تنفقها في إنجاز مشاريع ذات أهمية بالنسبة لمتطلبات الاقتصاد القومي، أو في رفع مستوى معيشة السكان.
وقد احتدت المنافسة بين الشركات الانقليزية والأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية حين سيطرت الشركة العربية الأمريكية للنفط (ARAMCO) على 80 بالمائة من إنتاج النفط بالعربية السعودية. ونظرا لهذه المعطيات ولأهمية هذه الثروة الطبيعية فقد حاول بعض الوطنيين بسط مراقبتهم عليها. ففي إيران كانت الشركة الانقليزية الإيرانية (ANGLO-IRANIAN OIL COMPANY) تراقب إنتاج النفط الإيراني. وقد أدت هيمنة هذه الشركة والرغبة الملحة في تأميم إنتاج النفط إلى تكتل الوطنيين الإيرانيين داخل "الجبهة الوطنية" التي تمكنت من الوصول إلى الحكم خلال 1950 وتشكيل حكومة وطنية ترأسها الدكتور مصدق. فقامت هذه الحكومة في سنة 1951 بتأميم إنتاج النفط. لكن الشركات البترولية العالمية قررت مقاطعة النفط الإيراني بينما توصلت الأوساط الامبريالية بتواطئ مع بعض ضباط الجيش الإيراني إلى الإطاحة بالحكومة الوطنية خلال 1953 ومع عودة الشاه الذي فر إلى الخارج استرجعت الدول الغربية سيطرتها على المنطقة حيث عهد لتجمع رأسمالي دولي هيمنت عليه الولايات المتحدة، بتسويق الإنتاج الإيراني للنفط. وهكذا فقد اصطدمت التجربة الإيرانية بقوة الإمبريالية الغربية فمنيت بالفشل.
2) أزمة قناة السويس:
حافظ الانقليز على مركزهم في مصر وفقا لمعاهدة 1936 التي خولت لهم الحضور العسكري بمنطقة قناة السويس. وقد دعمت انقلترا هذا الحضور عقب الحرب العالمية الثانية مستغلة فساد الحكم، وانصراف المالك فاروق (بن فؤاد الذي اعتلى العرش منذ 1936) عن تسيير شؤون الدولة، وتنافس الأحزاب السياسية على الحكم. وقد اقترن هذا الانحلال عن تسيير شؤون الدولة، وتنافس الأحزاب السياسية على الحكم. وقد اقترن هذا الانحلال السياسي بتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية حيث امتدت الفوارق بين الطبقات الاجتماعية وسيطر الإقطاعيون على الأراضي الزراعية فقد كانت 37 بالمائة من المساحة الجملية لهذه الأراضي ملكا ل 4 بالمائة من مجموع الملاكين فقط. ونتيجة لكل هذه العوامل اشتدت الوعي الوطني لدى المصريين وتفاقمت المعارضة خاصة وقد اعتبر النظام المسؤول الأول عن هذه الوضعية وخاصة على "النكبة". فقام الضباط الأحرار في 23 جويلية 1952 بثورة على النظام الملكي وأرغموا الملك على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد. وانبثقت عن الثورة حكومة ترأسها محمد نجيب قامت بحل الأحزاب السياسية وإلغاء الدستور ثم إعلان الجمهورية في 17 جويلية 1953. وخلال 1954 تم تعويض محمد نجيب بجمال عبد الناصر. فوقعت مصر مع انقلترا في أكتوبر 1954 اتفاقية الجلاء عن منطقة القناة التي احتوت على عدة قرارات من أهمها:
- تلغى معاهدة التحالف الموقعة في أوت 1936.
- يتمّ جلاء جميع القوات البريطانية جلاء تاما عن الأراضي المصرية في مدة لا تزيد عن 20 شهرا من تاريخ توقيع الاتفاق.
- تبقى أجزاء من قناة السويس، اتفق عليها الطرفان، في حالة صالحة للاستعمال مع وجود بعض الخبراء الانقليز المدنيين فيها".
ومن جهة أخرى حاولت الحكومة المصريّة تنشيط الاقتصاد. فسنّت الإصلاح الزارعي وحاولت توسيع مساحة الأراضي السقوية ورفع إنتاج الكهرباء ببناء السدّ العالي. وأمام افتقارها إلى الاعتمادات الضرورية لجأت إلى محاولة الاقتراض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير. لكن الضغط الغربي جعل هذه المؤسسة ترفض إقراض مصر. فصمم جمال عبد الناصر على وضع حد للسيطرة الأجنبية وخاصة الفرنسية والانقليزية على اقتصاد مصر. وفي 26 جويلية 1956 أعلن جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس التي تملك فيها انقلترا وفرنسا (بدرجة أقل) نسبة هامة من الأسهم. وبعد محاولة شل حركة الملاحة عبر قناة السويس عمدت الدولتان بالاتفاق مع إسرائيل إلى شن هجوم ثلاثي على منطقة القناة في أواخر أكتوبر 1956. وإزاء هذا الوضع أنذر الاتحاد السوفياتي الدول المغيرة بالتدخل مباشرة إلى جانب مصر إذا لم تضع حدا لعدوانها. وتحاشيا لصدام العملاقين بالمنطقة أرغمت الولايات المتّحدة، كلاّ من فرنسا وانقلترا على قبول وقف إطلاق النار الذي قرره مجلس الأمن في 6 نوفمبر 1956. ولقد أدى التنديد العالمي بهذه العملية إلى جلاء القوات الأجنبية في جانفي 1957.
وقد مكنت واقعة قناة السويس النظام العسكري المصري من الرسوخ والدولة الإسرائيلية من التوسع والاتحاد السوفياتي من التدخل في شؤون المنطقة.
كتاب التاريخ السنة السادسة علوم رياضيات والسابعة آداب الجزء الثاني طبعة 1980
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة