أشهر العلماء في التاريخ - إديسون - بداية النجاح
إديسون
بداية النجاح
وفرح "إديسون" بهذا المرتب الكبير، حتى بدا له كما لو كان أحد كنوز ألف ليلة وليلة، وكيف لا وهو الّذي جاء إلى هذه المدينة منذ أيام قليلة وهو لا يملك ثمن قوته، وظل يتضور جوعا دون أن يجد ما يأكله. ولكن يبدو أن الأحوال قد بدأت تتحسن.
وبالفعل انتقلت شركة "دليل الذهب" إلى ملكية شركة أخرى هي شركة "البرق للذهب والأسهم" وكان مدير هذه الشركة هو الجنرال "ليفيرتس" الّذي كان دائم التطلع إلى الأفكار الجديدة المبتكرة.
وانتهز "إديسون" هذه الفرصة وأخبر الجنرال "ليفيرتس" بأن في مقدوره أن يخترع آلات أفضل بكثر من تللك الّتي يستخدمونها في تسجيل الذهب، وطلب منه الجنرال أن يبدأ بالعمل فورا، وعندما انتهى "إديسون" من تنفيذ إختراع آلة جديدة لتسجيل الأسعار.. باعها للجنرال "ليفيرتس".
وبعد ذلك.. إستقال "إديسون" وأنشأ لنفسه مصنعا لصناعة أنواع جديدة من آلات التسجيل، وبعد أشهر قليلة طرح "إديسون" أجهزته الجديدة في الأسواق تحت إسم "مسجل إديسون العالمي"، واشترى الجنرال "ليفرتس" حق إنتاج هذا المسجل الجديد، وحصل "إديسون" على أربعين ألف دولار ثمنا لهذا الإختراع، وكان هذا المبلغ ثروة هائلة.
كان "إديسون" وقتئذ في الثالثة والعشرين من عمره، وكن قدر قرر إفتتاح أكبر متجر للآلات في "نيوآرك" ب"نيوجيرسي".
ثم طلب منه الجنرال "ليفرتس" أن ينتج له أكبر عدد ممكن من آلات التسجيل، فقام "إديسون" بإستئجار عدد كبير من الرجال ليعملوا في مصنعه، وينتجوا أجهزة التسجيل المطلوبة في أقصر وقت ممكن.
وهكذا بدأت مؤسسة "إديسون" تعمل، وتحقّق النجاح تلو النجاح، وتمكن "إديسون" في الفترة من 1870م إلى 1876م من تسجيل 112 اختراعا، ومع ذلك ظل "إديسون" يواصل تجاربه وعمله وأبحاثه، ولم يكتف بما حقّقه من الثورة والنجاح.
كان "إديسون" قد بدأ طريق النجاح والشهرة والثروة.. وواصل النشاط والعمل والبحث والإختراع.
وفي عام 1871م مني "إديسون" بصدمة كانت من أعنف الصدمات، فقد ماتت والدته الّتي كان يحبها حبا عظيما... ويقول عنها:
"إنها هي الّتي صنعتني، وكانت مخلصة لي، واثقة بي، وكانت لي نعمة على مر السنين"، وبسبب هذه الصدمة ظلّ "إديسون" حزينا لفترة من الوقت حتى تغلب في النهاية على أحزانه، وقد ساعدته فكرة الزواج على الخروج من صدمته بوفاة والدته.. وبالفعل تزوج "إديسون" في نفس هذا العام.
وبعد إجازة قصيرة قضاها "إديسون" مع زوجته "ماري ستلويل" في بوسطن، عادا إلى نيويورك، حيث أصبح لهما منزلهما الخاص، وبدأ "إديسون" في مواصلة عمله وجهوده وتجاربه واختراعاته من جديد، وقد بدأ "إديسون" هذه المرحلة الجديدة باختراع "جهاز البرق الآلي" ونجح أيضا – بعد ذلك – في اختراع "ورق البرافين"، وفي هذه الفترة أيضا ساعد "إديسون" في تطوير الكثير من الاختراعات الّتي حملها أصحابها إليه وطلبوا منه مساعدتهم في إكمالها أو تطويريها، ومنها اختراع الآلة الكاتبة الّتي اخترعها: "ك. ل. شولز".
وكانت مؤسسة "إديسون" قد بدأت تنمو وتتقدم بسرعة هائلة، وفي نفس الوقت بدأت أسرة "إديسون" في التقدم والنمو، فقد أنجبت "ماري" بعد سنتين من الزواج بنتا جميلة أسمياها "ماريون" ، وبعد ثلاث سنوات جاء ابنها الأول فأسمياه "توماس ألفا إديسون الصغير".
بعد ذلك دعا "إديسون" والده ليعيش معه، وقام "إديسون" بشراء منزل جديد، أكبر وأوسع في "نيوجيرسي" وقد خصّص لنفسه في هذا المنزل غرفة واسعة لمواصلة الأبحاث والتجارب، فكان ذلك أول معمل كبير له في البيت الجديد المكون من ثلاث طوابق.
وانتقل "إديسون" إلى بيته الجديد في عام 1876م وكان حينئذ في التاسعة والعشرين، ومخترعا ذا شهرة قومية وعلى وشك العالمية.
وقد عمد "إديسون" بعد ذلك إلى تطوير الكثير من الاختراعات الأخرى، على الرغم من انشغاله التام بمخترعاته الخاصة، ومن الاختراعات الّتي قام "إديسون" بتطويرها اختراع الهاتف (التلفون) الّذي اخترعه "جراهام بال".
كان هاتف "بل" تكتنفه بعض العيوب، منها أنه كان يتكون من قطعة واحدة تضم المرسل والمستقبل معا، وكان هذا العيب يؤدي إلى جعل استخدام الهاتف من الأمور غير المريحة، ومنها أنه لم يكن ينقل الصوت إلا إلى مسافة عشرين ميلا. وعندما طوّر "إديسون" الهاتف قام بفضل المرسل عن المستقبل، وأصبح مدى إرسال الجهاز بما يزيد على مائة ميل، وكان الصوت المسموع خلاله واضحا، على خلاف الصوت الضعيف جدا الّذي سمع في هاتف "بل، وقد باع "إديسون" هاتفه هذا بمبلغ مائة ألف دولار لجهاز الإرسال وحده، ثم باع جهاز الاستقبال بمبلغ 30 ألف دولار، وهكذا تدفقت الأموال من كل صوب وحدب بين أصابع "إديسون".
ولم يتوقف "إديسون" رغم ذلك عن مواصلة العمل والبحث والاختراع، وكان ينفق كل ما يصل إليه من مال على التجارب والمعمل والأدوات المعملية والكتب ولكي يدفع رواتب الّذين يعملون في مؤسسته.
وواصلت عبقرية "إديسون" إبداعها، فتواصل ظهور اختراعاته المعجزة. وكان الاختراع المعجزة هذه المرة عبارة عن فكرة جديدة خطيرة، قفزت فجأة إلى عقل "إديسون" وهو في معلمه، وهي: كيف يقلب الليل إلى نهار؟ كيف يمكننا أن نتخلص من المواد والوسائل البداية الّتي نستخدمها كلما أردنا أن نبدّد القليل من ظلمة الليل، وكانت الإجابة هي: الكهرباء.. إذ بالكهرباء توليد القوة والحرارة، إذن ليس هناك ما يمنع من توليد الضوء أيضا، وكل ما هو مطلوب أن نجد المادة الّتي تحترق احتراقا ملائما بتأثير الحرارة والقوة.
وبهذه الفكرة بدأ "إديسون" تجاربه على توليد الضوء في مواد مختلفة، ثم توصّل في النهاية إلى اختراع المصباح الكهربائي، فكان هذا الاختراع أعظم وأهم اختراعات "إديسون" الّتي أهداها إلى الإنسانية، وبهذا الاختراع تجاوزت شهرة "إديسون" حدود القومية إلى العالمية، وهو لم يزل في الثانية والثلاثين من عمره.
وهنا أيضا، لو كان "إديسون" قد اكتفى بكل ما قدمه من إنجازات ومعجزات لما انقص ذلك من عبقريته ولا شهرته شيئا، ومع ذلك لم يتوقف هذا العبقري الفذ عن مواصلة العمل والبحث والقراءة والاختراع، وظلت اختراعاته العظيمة الهائلة تتوالى، وكان أعظم اختراع قدمه "إديسون" بعد المصباح الكهربائي اختراع العربة الكهربائية (الترام)، ثم خطرت له فكرة اختراع آلة الصور المتحركة عام 1885م، وفي عام 1889م كانت مخترعات "إديسون" تشكل الجزء الأكبر من معروضات معرض المخترعات المئيني في باريس.
وتمكّن "إديسون" بالفعل من اختراع آلة الصور المتحركة، كما تمكن بها من تسجيل نمو زهرة في غضون عدة أسابيع، وتم عرض هذا النمو على الشاشة في مدى بضع دقائق، فأمكن بذلك ولأول مرة في التاريخ استعراض تطور النبات من حبة إلى برعم، ومن برعم إلى تويج، ومن تويج إلى زهرة كاملة النمو، وقد استغرق "إديسون" بعد ذلك في اختراعات أخرى لها أهميتها، فاخترع بطارية التخزين، ثم جهاز طحن الصخور لاستخراج المعادن، ثم اختراع الأسمنت لبناء المنازل، وقد مرت سنوات وسنوات قبل أن يتمكن "إديسون" من إخراج هذه الاختراعات إلى الوجود، واخترع "إديسون" العديد من المخترعات لخدمة القوات المسلحة الأمريكية أثناء الحرب العالمية وفي نفس العام احترقت مصانع "إديسون" فكانت الخسارة ما لا يقل عن خمسة ملايين من الدولارات، لكن "إديسون" لم يشعر بالمرارة ولم يستسلم، وقرر أن يبدأ من جديد.
كان يوم 21 أكتوبر عام 1929م هو يوم الذكرى الخمسين لاختراع النور الكهربائي، وقد شهد هذا اليوم أعظم حفل تكريم أقيم لإديسون، وفي هذا الحفل ألقى الرئيس "هوفر" خطبة قال فيها:
"إن علمائنا ومخترعينا هو ثروة قومية لنا لا تقدر بثمن.. ولقد تمكن مستر "إديسون" بعبقريته وجهده أن يصعد من نشأة متواضعة ليحتل مكانا بين قادة الرجال، وإن في حياته لشاهدا يجدد اليقين بأن نظامنا يفتح أبواب الفرص لكل من يريد الدخول".
ولقد تهاوى "إديسون" بعد الحفل مباشرة، وأدرك الجميع أن تهاويه بداية النهاية، وغاب "إديسون" عن الوعي لكنه شفي بعد عدة أيام، وعاد إلى عمله من جديد، وانهمك في إجراء تجاربه على المطاط وأحرز نجاحا باهرا.. وبعد عام بدأت أعراض النهاية تظهر من جديد.. لقد عاش "إديسون" وظل يعمل ويعطي ويهب البشرية الكثير من ثمار عبقريته حتى بلغ الرابعة والثمانين.. ثم استسلم في النهاية، ومات "إديسون" عام 1931م بعد العيد الثاني والخمسين لاختراع النور الكهربائي بثلاثة أيام.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة