بحث حول احتلال تونس وانتصاب الحماية
الإمبرياليّة الاستعماريّة والأزمة الأوروبيّة
احتلال تونس وانتصاب الحماية
كانت حكومة خير الدين تمثل آخر وسيلة لإصلاح الأوضاع الداخلية بالبلاد التونسية ولمعالجة مشاكلها الحقيقية، وآخر فرصة لإنقاذها من الأخطار الاستعمارية، وإثر فشل هذه الحكومة واستقالة خير الدين في جويلية 1877 تفاقمت الأزمة المالية وتعقدت المشاكل والمنافسات السياسية وتأكد انهيار الدولة بعدما تقلد مصطفى بن إسماعيل مسؤولية الوزارة الكبرى في شهر أوت 1878. ولئن حافظت البلاد على استقلالها طيلة أربع سنوات (1877-1881) فقد تقرر مصيرها منذ سنة 1878 بمناسبة انعقاد مؤتمر برلين.
I- مؤتمر برلين ونتائجه بالنسبة إلى تونس :
انعقد مؤتمر برلين خلال شهري جوان وجويلية 1878 برئاسة "بسمارك" ومشاركة الدول الأوروبية الكبرى وكانت غايته الأصلية إيجاد حل للأزمة البلقانية وإعادة النظر في معاهدة "سان ستيفانو" التي تم إبرامها بين روسيا والدولة العثمانية، إلا أن ذلكم لم يمنع رؤساء الوفود الأوروبية من التفاوض خارج قاعة الجلسات في المشاكل الخاصة ببلدانهم والسعي إلى حلها. وكانت المسألة التونسية إحدى هذه المشاكل التي تعرض إليها الوزراء الأوروبيون في محادثاتهم. فقد اقترح بالتوالي وزير الخارجية البريطاني "لورد سالسيبوري" (Lord Salisbury) وبسمارك على ممثل فرنسا احتلال تونس، ويمكن القول أن مصير البلاد التونسية تقرر على هامش مؤتمر برلين.1)- تغيير موقف إنقلترا :
كانت سياسة إنقلترا الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط ترمي إلى الدفاع عن حرمة تراب الدولة العثمانية وصيانة استقلالها، ويرجع ذلك إلى ارتباط مصالحها الاقتصادية بالإمبراطورية العثمانية التي كانت تمثل سوقا تجارية هامة لمنتوجاتها الصناعية ومرحلة أساسية في طريق المستعمرات الهندية، إلا أن تغييرا هاما طرأ على هذا الموقف قبيل انعقاد مؤتمر برلين وكانت أهم أسبابه :
أ- انتهاء أشغال حفر قناة السويس سنة 1869، مما وفر طريقا بحرية جديدة للاتصال بالهند فجعل ذلك الإنقليز يفكرون في السيطرة على مصر.
ب- احتلت إنقلترا جزيرة قبرص قبل انعقاد المؤتمر فأخذت تفكر في تقديم تعويضات لبعض الدول الأوروبية الكبرى، ومن بينها فرنسا، حتى توافق على هذا الاحتلال.
ج- فشلت التنظيمات العثمانية وتفاقمت الأزمة المالية حتى أدت إلى إفلاس الدولة سنة 1875، مما جعل الحكومة الإنقليزية تتأكد من قرب انهيار الإمبراطورية العثمانية فأقلعت عن مساندة السلطان ووجهت غايتها إلى استغلال الوضع لفائدتها والدفاع عن مصالحها.
د- كانت إنقلترا من جهة أخرى تخشى احتلال تونس من طرف الإيطاليين فيتمكنون بمفردهم من السيطرة على الممر الفاصل بين الحوض الشرقي والحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.
تبعا لكل هذه الاعتبارات غيرت الحكومة الإنقليزية موقفها فيما يخص البلاد التونسية فقررت الانسحاب من المنافسة مع فرنسا وتقديم تونس للفرنسيين مقابل تأييدهم لاحتلال جزيرة قبرص وتمهيدا لاحتلال محتمل لمصر في المستقبل وقد جاء الاقتراح الإنقليزي على لسان "لورد ساليسبوري" الذي خاطب الوزير الفرنسي للخارجية "وادينغتون" (Waddington) بقوله: "في إمكانكم احتلال تونس إذا رغبتهم في ذلك فإن إنقلترا سوف لا تعارض هذا الاحتلال..."
2)- تأييد بسمارك للاقتراح الإنقليزي :
كانت ألمانيا ترغب أيضا في تقديم ترضيات للفرنسيين حتى يحولوا أنظارهم عن منطقة "الزاس – لوران" (Alsace – Lorraine) التي خسروها سنة 1870 وكانت سياسة بسمارك الخارجية تهدف إلى إحلال السلم في أوروبا بعد أن تحققت الوحدة الألمانية، ووجد بسمارك في الاقتراح الإنقليزي أحسن فرصة لتحسين علاقاته مع فرنسا وتحقيق هدفه فاتصال بدوره بوزير الخارجية الفرنسي وعرض عليه مثل "لورد ساليسبوري" احتلال تونس.لقي الاقتراح الإنقليزي – الألماني موافقة الوزير الفرنسي "واد ينغتون" وتأييده، لكنه امتنع عن اتخاذ موقف رسمي ونهائي قبل أن يعرض الأمر على حكومته وكان من جهة أخرى متخوفا من رد فعل الإيطاليين، غير أن "ساليسبوري" طمأنه بإعلانه عن إمكانية تقديم تعويضات لإيطاليا في طرابلس. وتأكد هكذا وزير الخارجية الفرنسي منذ شهر جويلية 1878 من إزاحة كل العراقيل التي كانت قائمة أمام التوسع الاستعماري الفرنسي بالبلاد التونسية، مما جعله يصرح لأحد أصدقائه قبل مغادرة برلين "يا عزيزي أعود ومعي (في جيبي) تونس".
II- الغزو الاقتصادي وتهيئة الاحتلال :
1)- خطّة الحكومة الفرنسيّة :كان الوضع الدولي إثر مؤتمر برلين ملائما لاحتلال تونس من طرف الفرنسيين فأعد "وادينغتون" بمعية "روستان" مخططا دقيقا ضبط بمقتضاه مراحل الغزو العسكري للبلاد التونسية. ومما شد عضده ووطد عزمه على تنفيذ مخططه تأكيد بسمارك لموقفه المساند والمشجع لفرنسا فيما يخص المسألة التونسية. فقد صرح المستشار الألماني للسفير الفرنسي ببرلين يوم 4 جانفي 1879: "إن الإجاصة التونسية قد أينعت وحان لكم أن تقطفوها..." لكن الحكومة لم توافق على مشروع الاحتلال الذي أعده "وادينغتون" إذ لم يسانده سوى ثلاثة وزراء، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها أن الرأي العام الفرنسي الذي لم يتسن بعد عواقب مغامرات نابليون الثالث كان يرغب في السلم ويرفض تدخل الجيش الفرنسي خارج الحدود الفرنسية كما كان جل الزعماء الجمهوريين وخاصة "قامبطا" (Gambetta) يعارضون بشدة السياسة الاستعمارية.
سعى إثر ذلك "وادينغتون" إلى تحقيق غايته بطريقة سلمية لا تحتاج إلى اعتمادات مالية خاصة ولا تحتم استشارة البرلمان فأعد في شهر فيفري 1879 مشروع محالفة دفاعية بين تونس وفرنسا يسمح بمقتضاها الباي للقوات الفرنسية بالدخول عند الحاجة إلى بعض مناطق التراب التونسي، وكلف "روستان" بعرض المعاهدة على الباي وإقناعه بجدواها، لكن محمد الصادق باي رفض بصفة قطعية التوقيع عليها رغم مساندة وزيره الأكبر مصطفى بن إسماعيل للطلب الفرنسي.
وتبعا لذلك تخلى وزير الخارجية الفرنسية مؤقتا عن مشروع الاحتلال وضبط خطة سياسية جديدة تم تطبيقها من سنة 1879 إلى سنة 1881 واعتمدت على الأسس التالية :
- إقناع الحكومة الإيطالية بضرورة التخلي عن تونس لفائدة فرنسا وتحويل أنظار الإيطاليين إلى مناطق إفريقية أخرى، وخاصة طرابلس، حيث يمكنهم بسط نفوذهم والتوسع بكامل الحرية.
- التصدي لكل محاولة تدخل أجنبي بالبلاد التونسية.
- السعي الحثيث إلى تدعيم تأثير فرنسا الاقتصادي بالبلاد التونسية.
2)- المنافسة الاقتصاديّة بين فرنسا وإيطاليا :
انحصرت المنافسة الأوروبية بتونس ابتداء من سنة 1879 بين فرنسا وإيطاليا وتعلقة خاصة بالميدان الاقتصادي، ذلك أن إنقلترا قررت منذ انعقاد مؤتمر برلين الانسحاب من المنافسة على البلاد التونسية وتصفية مصالحها بها، ولكي تبرهن عن صدق نيتها استجابت لرغبة وزير الخارجية الفرنسي فأحالت قنصلها "وود" على التقاعد في شهر مارس 1879، أما إيطاليا فقد رفضت التخلي عن تونس والاهتمام بطرابلس مدعية أن لها أكثر حقوق من فرنسا للتوسع بالبلاد التونسية نظرا للروابط التاريخية القديمة بين روما وقرطاج ولتفوق عدد الرعايا الإيطاليين (11.200) على الرعايا الفرنسيين (700) بتونس.واتخذت المنافسة الفرنسية - الإيطالية صبغة منافسة شخصية بين القنصل الفرنسي "روستان" والقنصل الإيطالي الجديد "ماشيو" (Maccio) فسيطرت على الحياة السياسية بتونس ما يقارب من ثلاث سنوات (1879-1881)، وقد اشتد الخلاف حول بعض المسائل الاقتصادية، ومن أهمها :
أ- قضيّة الخط الحديدي "تونس – حلق الوادي – المرسى" :
قرّرت شركة السكك الحديدية الأنقليزية المستغلة للخط الحديدي الرابط بين تونس والمرسى مرورا بحلق الوادي الانسحاب من البلاد التونسية فعرضت سنة 1880 مؤسستها للبيع وعقدت الاتفاق أول الأمر مع شركة "روباتينو" (Rubattino) الإيطالية، إلا أن شركة "بون قالما" (Bone-Guelma) الفرنسية تدخلت في الأمر وأغرت الشركة الانقليزية بتقديم مبلغ يفوق الثمن الذي دفعه الإيطاليون ففسخ العقد الأول وعوض بعقد ثان لفائدة الفرنسيين، وأدى هذا التراجع إلى عرض القضية على المحكمة العليا بلندن التي قررت بيع المؤسسة بالمزاد العلني فتحصلت عليها آخر الأمر الشركة الإيطالية مقابل مبلغ هام (165.000 جنيه إنقليزي) يفوق بكثير الثمن الحقيقي للمؤسسة.اغتاظت الحكومة الفرنسية من هذا الكسب الإيطالي فقامت برد فعل عنيف تمثل في توجيه ثلاث سفن حربية إلى السواحل التونسية وحشد قوات هامة على الحدود التونسية - الجزائرية قصد تهديد الباي وإرغامه على منح ترضيات للفرنسيين، وفعلا استجاب محمد الصادق باي للمطالب الفرنسية فوافق في شهر أوت 1880 على الامتيازات التالية :
- الترخيص لشركة "باتينول" الفرنسية ببناء ميناء تونس واستغلاله
- الترخيص لشركة "بون - قالما" بمد خط حديدي يربط بين تونس ومدينتي سوسة وبنزرت
- احتكار شركة "بون - قالما" لوضع السكك الحديدية في المستقبل بالبلاد التونسية.
وهكذا أحرزت فرنسا نصرا باهرا في منافستها مع إيطاليا ويمكن القول، نظرا لأهمية الامتيازات التي تحصلت عليها أنها شرعت سنة 1880 في الغزو الاقتصادي للبلاد التونسية.
ب- قضيّة النفيضة :
تعلقت هذه القضية بضيعة فلاحية شاسعة بمنطقة النفيضة كانت من أملاك خير الدين، وعرضها هذا الأخير للبيع مع بقية أملاكه بعد مغادرته البلاد التونسية، كان خير الدين يفضل بيع ضيعته للتونسيين فوعد بإسقاط 10% من الثمن إذا كان المشتري تونسيا، لكنه اضطر آخر الأمر إلى بيعها لشركة فرنسية تدعى "شركة مرسيليا" التي تحصلت قبل ذلك على ضيعة أخرى بسيدي ثابت.وكان الوزير الأكبر مصطفى بن إسماعيل يرغب في التحصيل على هذه الضيعة بثمن بخس فاغتاظ لما علم بإتمام صفقة البيع لفائدة الشركة الفرنسية وتحالف مع قنصل إيطاليا "ماشيو" قصد التوصل إلى فسخ عقد البيع، وبإيعاز منه تقدم يوسف ليفي أحد السماسرة اليهود المستقرين بسوسة بشكوى إلى القاضي الحنفي طالبا شراء الضيعة بنفس الثمن الذي بيعت به للشركة الفرنسية وذلك بالاعتماد على حق الشفعة، ولتدعيم مطلبه قدم ليفي وثيقة مزورة تثبت امتلاكه لقطعة أرض مجاورة لضيعة خير الدين (إذ لا يتمتع بحق الشفعة إلا من كان له ملك مجاور للعقار المباع).
غير أن خير الدين تفطن مسبقا للأمر فاتخذ كل الإجراءات القانونية المسقطة لحق الشفعة وأهمها إخراج قطعة صغيرة من الضيعة من صفقة البيع، لكن هذه الاحتياطات لم تمنع القاضي من تجاوز القانون فحكم بفسخ عقد البيع الأول وتمكن يوسف ليفي من امتلاك الضيعة، وقد تم ذلك تحت تأثير مصطفى بن إسماعيل.
وتمثلت نتائج هذه القضية في :
- حصول القطيعة بين "روستان" ومصطفى بن إسماعيل وتحالف هذا الأخير مع القنصل الإيطالي
- شعور الفرنسيين بالخيبة والمرارة وتيقنهم أن الحل الوحيد للمحافظة على تأثيرهم بتونس هو الاحتلال العسكري.
3)- الاستعداد للاحتلال :
شعر أنصار التوسع الاستعماري ورجال الأعمال الفرنسيين بالخطر الذي يهدد مصالحهم إثر الانتصار الذي حققه الإيطاليون بصفة غير مباشرة في قضية النفيضة فقاموا من جانفي إلى مارس 1881 بمساع عديدة لدى الأوساط السياسية المؤثرة على الرأي العام قصد إقناع المعارضين بضرورة التدخل بتونس، وتوصلوا فعلا إلى إقناع جل زعماء الحزب الجمهوري وخاصة "قامبطا" رئيس كتلة الأغلبية بالبرلمان، فزالت بذلك كل العقبات القائمة أمام السياسة الاستعمارية.ونتيجة لهذا التطور قررت الحكومة الفرنسية التي كان يرأسها "جول فيري" (Jules FERRY) أحد أنصار التوسع الاستعماري البارزين، التدخل في تونس (مارس 1881). وأعدت وزارة الشؤون الخارجية بمشاركة "روستان" مخططا دقيقا يرمي إلى احتلال البلاد التونسية على مرحلتين : احتلال المنطقة الشمالية وفرض معاهدة حماية على الباي في مرحلة أولى، ثم احتلال بقية التراب التونسي في مرحلة ثانية.
وكان من الضروري البحث عن ذريعة تمكن الحكومة الفرنسية من تبرير دخول الجيش الفرنسي إلى التراب التونسي وتجنبها ردود الفعل الداخلية والخارجية، فاستقر الرأي على استغلال الخلافات والمناوشات المتكررة بين القبائل المستقرة على الحدود الجزائرية - التونسية. وكلف "روستان" بعض اذنا به المستقرين في مدينة عنابة باستفزاز القبائل وخلق القلاقل، فكانت النتيجة أن حدث يومي 30 و 31 مارس 1881 اشتباك بين الجنود الفرنسيين وقبائل خمير.
وجدت في ذلك الحكومة الفرنسية الذريعة المنشودة عمدا القضية عن طريق الصحافة ووكالات الأبناء وتحصلت يوم 7 أفريل على موافقة البرلمان للقيام بحملة عسكرية غايتها "مساعدة الباي" على إرجاع الأمن إلى نصابه بمنطقة الحدود وإخضاع القبائل المتمردة.
III- الاحتلال والمقاومة الشعبيّة :
تمّ احتلال البلاد التونسية على مرحلتين حسب ما ضبطه المخطط الذي أعدته وزارة الخارجية الفرنسية مسبقا، وأسفرت المرحلة الأولى التي استغرقت أقل من ثلاثة أسابيع عن انتصاب الحماية الفرنسية على تونس، أما المرحلة الثانية فقد تواصلت ما يزيد على الستة أشهر.1)- معاهدة باردو وانتصاب الحماية :
طلبت الحكومة الفرنسية يوم 6 أفريل 1881 من الباي الترخيص لجنودها بالدخول إلى التراب التونسي "لإخضاع القبائل المتمردة" ورفض الباي الاستجابة لهذا الطلب، لكن ذلك لم يثن الفرنسيين عن عزمهم فشرع الجيش الفرنسي في احتلال البلاد يوم 24 أفريل 181. فقد اجتاز في ذلك اليوم فريقان من الجنود الحدود الفاصلة بين تونس والجزائر في منطقة غار الدماء واتجها نحو العاصمة متبعين مجرى وادي مجردة.فكر الباي أول الأمر في المقاومة فوجه أخاه علي، باي الامحال، على رأس فرقة من الجيش لملاقاة الجنود الفرنسيين وإرجاعهم على أعقابهم، لكنه سرعان ما تراجع عن موقفه فأمر باي الامحال بالرجوع إلى تونس وبتسريح الجنود، ورغم ذلك حاول الجنود المسرحين التصدي للمغتصبين لكنهم انهزموا بسرعة نظرا لتفاوت القوى فقتل وجرح منهم ما يزيد على 300 شخص.
وقدمت في تلك الأثناء فرق أخرى من الجيش الفرنسي نزلت بميناء بنزرت يوم 3 ماي 181 بقيادة الجنرال "بريار" (Breart) الذي أعطيت له الأوامر بالاتجاه إلى تونس وإرغام الباي على توقيع معاهدة الحماية وكان وصول "بريار" إلى باردو يوم 12 ماي 1881 فعرض على محمد الصادق باي المعاهدة بعدما حاصر قصره ومنحه مهلة ساعتين للتفكير في الأمر. ولم يكن أمام الباي سوى الاختيار بين التوقيع أو التنازل عن العرش إذ أن "روستان" أحضره معه بالقرب من القصر الأمير "الطيب" الذي ارتدى بدلته الرسمية وكان على أتم الاستعداد لخلافة أخيه، وفضل محمد الصادق باي التوقيع على المعاهدة فقدمت بذلك البلاد التونسية ما تبقى لها من مظاهر الاستقلال وأصبحت بصفة رسمية محمية فرنسية.
وكانت أهم نتائج هذه المعاهدة :
- احتلال البلاد التونسية من طرف الجيش الفرنسي لمدة غير معينة.
- تنازل الباي عن سلطته الخارجية
- تأكيد إشراف السلطة الفرنسية على الشؤون المالية التونسية.
2)- المقاومة الشعبية وإتمام الاحتلال :
أخذ سكان الوسط والجنوب يستعدون للمقاومة عندما علموا بدخول الجنود الفرنسيين إلى التراب التونسي وبتوقيع الباي على معاهدة الحماية، خلافا لسكان الشمال الذين لم يحركوا ساكنا أمام الجنود الفرنسيين ولم يقوموا بأي رد فعل ضد الاحتلال الأجنبي، فقد ثارت قبائل الفراشيش وماجر وأولاد عيار ودريد في الوسط بقيادة علي بن عمار والحاج محمد الحراث بينما تزعم ثوار جلاص والقيروان الحاج حسين المسعي وعلي بن عمارة. أما قبائل الجنوب فقد التفت حول علي بن خليفة الذي أصبح أبرز قائد للمقاومة وخف لإعانة ثوار مدينتي قابس وصفاقس، ففي جميع هذه المناطق والمدن رفض السكان الاعتراف بسلطة الباي وأعوانه واستعدوا لمقاومة المغتصبين.ونتيجة لهذا الوضع الجديد أسرعت فرنسا إلى تعزيز قواتها وتوجيه المدد العسكرية إلى مواني سوسة وصفاقس وقابس فقامت بحملة ضاربة على مواطن المقاومة. ورغم التفاوت الكبير بين المقاومتين والمغتصبين من حيث العدد والعتاد تواصلت المعارك بينهم ما يزيد على الستة أشهر (جويلية 1881 فيفري 1882). وكانت أهم الأعمال العسكرية.
- حصار مدينة صفاقس وقذفها بالمدافع مدة عشرة أيام، ولم يتمكن الفرنسيون من احتلال المدينة إلا بعد قتال عنيف تواصل في شوارعها طيلة يومين متتاليين (15 و 16 جويلية 1881) وأسفر عن 1200 قتيل وجريح.
- احتلال مدينة قابس في 25 جويلية 1881 بنفس الطريقة.
- احتلال القيروان بعد قتال عنيف أسفر عن 700 قتيل.
أتم الجيش الفرنسي احتلال البلاد التونسية في فيفري 1882، غير أن علي بن خليفة التجأ صحبة جمع من المقاومين في أقصى الجنوب التونسي حيث واصلوا المقاومة، ولم يتمكن الفرنسيون من التغلب عليهم إلا خلال سنة 1883، حينذاك فرضت فرنسا على علي باي (1882-1902) اتفاقية المرسى التي تم توقيعها يوم 8 جوان 1883 ومكنتها من ممارسة إدارة البلاد التونسية بصفة مباشرة.
الخلاصة :
أصبحت البلاد التونسية محمية فرنسية ابتداء من سنة 1881، غير أن اتفاقية المرسى التي جردت الباي من كافة سلطاته جعلت منها في الحقيقة مستعمرة شبيهة بغيرها من المستعمرات الإفريقية والآسيوية.
وكان من المؤمل أن تسرع الدولة العثمانية لنجدتها، لكن السلطان اقتصر على الاحتجاج وتقديم الوعود بإعانة المقاومين التونسيين، شأنه في ذلك شأن إيطاليا التي أعلنت رفضها للأمر المقضي واعتبرت احتلال تونس تعديا على حقوقها. وجاء أهم رد فعل من فرنسا نفسها حيث تحركت المعارضة إثر اندلاع المعارك بين الجيش الفرنسي والمقاومين التونسيين وتمكنت من الإطاحة بحكومة "جول فيري".
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة