الإمبريالية : الأسباب والوسائل وتقسيم العالم
الإمبرياليّة الاستعماريّة والأزمة الأوروبيّة
الإمبرياليّة : الأسباب والوسائل وتقسيم العالم
ظهرت الامبرياليّة (الاستعمار الأوروبي الحديث) في النصف الثاني من القرن XIX إثر الثورة الصناعيّة فاستغلّت الدول غير المصنّعة وسيطرت عليها اقتصاديّا وسياسيّا. وقد تسابقت الدول الأوروبيّة المصنّعة واشتدّ تنافسها للسيطرة على العالم، فتمّ اقتسامها للقارتين الإفريقيّة والآسيويّة، وفرضت هيمنتها على مساحات شاسعة واستغلتها استغلالا فادحا.
I- الأسباب :
كان للتطوّر الاقتصادي الذي عرفته أوروبا إثر الثورة الصناعيّة وما رافقها من فيض كبير في الإنتاج وحاجة ماسة إلى المواد الأوليّة وكثرة رؤوس الأموال أكبر الأثر في ظهور الإمبرياليّة.1- الأسباب الاقتصاديّة :
تعدّدت أسباب ظهور الإمبرياليّة إلاّ أنّ الدوافع الاقتصاديّة كانت العوامل الأساسيّة التي دفعت بالدول الصناعيّة إلى بسط نفوذها على بعض الأقطار خارج أوروبا.
أ- البحث عن الأسواق :
عرفت أوروبا منذ سنة 1873 أزمة اقتصاديّة دفعت بها إلى إتباع سياسة الحماية القمرقية، فأصبحت في أشدّ الحاجة إلى أسواق جديدة لتصريف إنتاجها الذي اتّسع على نطاق واسع وفاض في أسواقها الداخليّة، ممّا دفع بها إلى البحث عن أسواق جديدة خارج أوروبا لتصريف مصنوعاتها من جهة واستيراد المواد الأوليّة كالمعادن والقطن والمطاط والمواد الغذائيّة كالسكر والقهوة من جهة ثانية.
ب- استثمار رؤوس الأموال :
تجمّعت رؤوس الأموال في الدول الأوروبيّة الصناعيّة وأصبح استثمارها لا يوفّر أرباحا طائلة، فقد انخفضت قيمة الفائض من 5% إلى 3% ممّا دفع بأصحاب المؤسّسات المالية إلى البحث عن طرق أكثر نجاعة لاستثمار أموالهم الطائلة، فاندفعوا فيما وراء البحار في إنشاء المشاريع الاقتصاديّة كالسكك الحديديّة والمصارف والمزارع، وقدّموا للدول الضعيفة القروض بفوائض مرتفعة كانت السبب المباشر للتدخل الاستعماري في تونس والمغرب ومصر.
لم تكن الأسباب الاقتصاديّة وحدها هي التي دفعت بالدول إلى ميدان المنافسة الاستعماريّة بل هناك أسباب أخرى شجعت الدول ودفعت بها نحو التوسّع الاستعماري منها :
أ- الدوافع القوميّة :
تأخّر ظهور القوميّة في ألمانيا وبعض الدول الأوروبيّة الأخرى ممّا دفع بها إلى البحث عن المجد والقوّة والعزّة القوميّة عن طريق التوسّع الاستعماري، فتنافست وأخذت تسعى لمجاراة الدول الأخرى، حتى يكون لها صوت مسموع في المحافل الدولية، وتحتلّ مكانتها تحت الشمس فأصبح التوسّع الاستعماري أساس قوّة الدول وحياتها وبقائها وعزتها.
ب- الأسباب العسكريّة :
أصبح من الضروري للدول الأوروبيّة بعد تطوّر الملاحة البحريّة أن يكون لها قواعد ومخازن لتزويد بواخرها بالوقود، لذا اتجهت للسيطرة على المراكز الهامة، خاصة تلك التي تختصّ بموقع استراتيجي ممتاز تجعل منها قواعد عسكريّة تحمي بها تجارتها وتضمن لها سيطرتها على إمبراطوريتها الاستعماريّة، وهذا ما يفسّر لنا سيطرة إنقلترا على المراكز والمناطق الواقعة على طول طريق الهند.
3)- الضغط الديمغرافي والادّعاءات الحضاريّة :
تهيّأ الرأي العام الأوروبي وتشجعت الحكومات فاندفعت نحو التوسّع الاستعماري متخذة من الضغط الديمغرافي ذريعة لذلك ومدعية أن لها رسالة حضاريّة تؤديها نحو الشعوب الضعيفة.
أ- الضغط الديمغرافي :
عرفت أوروبا نموا ديمغرافيا قبيل الحرب العالميّة الأولى فبلغ مجموع السكان حوالي 452 مليون نسمة بعدما كان 300 مليون نسمة سنة 1870، فأدى هذا النمو ببعض الأوروبيين إلى الهجرة والنزوح نحو المستعمرات، ففي سنة 1913 غادر حوالي 872.000 إيطالي بلادهم للاستيطان في المستعمرات، إلا أن هذا لم يحل المشكلة بل أن هجرة الإيطاليين تواصلت نحو العالم الجديد حتى بعد حصول إيطاليا على عديد من الممتلكات في إفريقيا، وبذلك كان النمو الديمغرافي غدرا لا سببا حقيقيا للتوسع الاستعماري.
ب- الادعاءات الحضاريّة :
ادعت أوروبا أن لها رسالة إنسانية نبيلة تؤديها نحو العالم وذلك للقضاء على العبودية وتجارة الرقيق في إفريقيا، ورفع مستوى الشعوب المختلفة والضعيفة ثقافيا وصحيا، وقد أيد هذا الاتجاه الديمقراطيون في أوروبا لاعتقادهم بتفوق الجنس الأبيض، فأشادوا بالحركة الاستعمارية وحببوها لشعوبهم وجعلوها عبء الإنسان الأبيض. وقد اتخذ من الدين ذريعة للتوسع الاستعماري فتوغل المبشرون في إفريقيا وآسيا بدعوى نشر المسيحية، ولكنهم عمليا قاموا بتحقيق أطماع المستعمرين، فكانت الادعاءات الحضارية الإنسانية والدينية حافزا للتوسع الاستعماري في كثير من الأحيان، فقد تدخلت فرنسا في الهند الصينية متخذة مقتل أحد المبشرين المسيحيين ذريعة لذلك.
II- الوسائل :
لم تسلك الدول الاستعمارية طريقة موحدة لإدارة مستعمراتها بل اتبعت طرقا مختلفة متغيرة اختلفت باختلاف الدول وأوضاع المستعمرات، وكانت غايتها الأساسية في كل ذلك ضمان سطيرتها على المستعمرات لإحكام استغلالها.1)- التنظيم السياسي :
سلكت معظم الدول الاستعمارية سياسة الحكم المباشر لإدارة ممتلكاتها باستثناء انقلترا التي منحت بعض المستعمرات نوعا من الحكم الذاتي.
أ- الاستعمار الفرنسي :
اتبعت فرنسا منذ عهد نابليون سياسة مركزية في إدارة ممتلكاتها بمختلف أنواعها فكانت كلّ الأوامر والقرارات تصدر بصفة عامة عن العاصمة الفرنسية.- فبالنسبة للمستعمرات، أنشأت فرنسا منذ سنة 1894 وزارة خاصة تعتني بشؤون المستعمرات فكان الوزير يعين الولاة على الهند الصينية وإفريقيا الغربية ومدغشقر وإفريقيا الاستوائية. غير أن فرنسا لم تسلك طريقة واحدة لإدارة مستعمراتها فقد ألحقت الجزائر بوزارة الشؤون الداخلية باعتبارها مقاطعة فرنسيا على رأسها حاكم عام، وتظاهرت بإتباع سياسة الإدماج الرامية حسب ادعاءاتها إلى منح السكان الأصليين نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الفرنسيون، إلا أن المعمرين عارضوا هذه السياسة بشدة فلجأت فرنسا إلى منح الوالي سلطات واسعة واعتمدت لتسيير شؤون المستعمرة على مجلس يتألف من 60 عضوا من بينهم 7 أعضاء جزائريين فقط، أما المستعمرات الصغيرة (الانتي، الرينيون « Réunion » مدن الهند الفرنسية...) فقد كان لها مجالس عامة منتخبة ونواب عن الجالية الفرنسية يمثلونها في البرلمان الفرنسي.
- أما بالنسبة إلى المحميات، فقد كانت مبدئيا تابعة إلى وزارة الشؤون الخارجية، لكنها كانت عمليا باستثناء تونس والمغرب الأقصى راجعة بالنظر إلى وزير المستعمرات، فكانت الحكومة الفرنسية تعين في كل محمية مقيما عاما يسهر على تسيير شؤون المحمية ويساعده عدد من المديرين الذين يراقبون السلطة المحلية، فكان كل مسؤول من الأهالي مراقبا من طرف مسؤول فرنسي فأصبح الحكم في المحميات عمليا حكما فرنسا مباشرا.
ب- الاستعمار الإنقليزي :
اتبعت إنقلترا شؤون مستعمراتها وسائل متنوعة تميزت بصفة عامة بالمرونة، ففضلت الاعتماد على الإدارة المحلية ورفضت تمثيل المستعمرات في البرلمان الإنقليزي، بل أن بعض المستعمرات قد كونت فيها حكومات محلية، من ذلك:- الممتلكات ذات الحكم الذاتي : منحت إنقلترا منذ سنة 1867 بعض المستعمرات حكما ذاتيا خاصة تلك التي تتكون من السكان البيض مثل كندا ونيوزيلندة واستراليا واتحاد جنوب إفريقيا رغم تميزه بقلة سكانه البيض، فأصبحت هذه الدول تعرف بالدمنيون (Diminions) وقد سارت بخطى حثيثة نحو الاستقلال التام حيث أخذ نفوذ إنقلترا يتضاءل خاصة في الميدان الخارجي، وبدأت تظهر فكرة توحيد هذه المستعمرات مع إنقلترا على أسس جديدة إثر مؤتمر لندن المنعقد سنة 1887.
- مستعمرات التاج البريطاني : تشمل هذه المستعمرات الممتلكات ذات الإدارة المباشرة والمحميات أو التي فيها إدارة ذات حكم ذاتي محدود، وقد ألحق جلها بوزارة المستعمرات وكان على رأس كل واحدة منها وال أو مندوب وعدد من الموظفين والجنود، وأحدثت في بعض المستعمرات التي يكثر فيها العنصر الأوروبي مجالس تمثيلية من المعمرين، وإلى جانب ذلك هناك مستعمرات بقيت حتى أواخر القرن XIX تسير من طرف شركات تجارية كنيجيريا وروديسيا. وهكذا تنوعت مستعمرات التاج واختلفت وسائل إدارتها باختلاف الأوضاع والظروف.
ج- الأنواع الأخرى من الاستعمار :
اتبعت بقية الدول الاستعمارية سياسة تعتمد بصفة عامة على الإدارة المباشرة، من ذلك :- أن الاستعمار الإسباني والبرتغالي والبلجيكي قد سلك سياسة تقوم على أساس الاستغلال الفاحش للسكان لذلك اعتمد على الإدارة المباشرة للمستعمرات. – أما الاستعمار الهولندي فقد فضل إدارة مستعمراته عن طريق الولاة، فقد عين على بطافيا والإدارة شؤون اندونيسيا.
- بينما منح الألمان في بداية الأمر تسيير شؤون المستعمرات إلى الشركات وابتداء من سنة 1890 أصبحت المستعمرات محميات تابعة للإمبراطور الألماني.
2) الاستغلال الاقتصادي :
كانت الأسباب الاقتصادية هي الدوافع الأساسية للحركة الاستعمارية لذلك كان الاستغلال الاقتصادي وابتزاز خيرات الشعوب هو الشغل الشاغل للمستعمرين الذين ارتكزت سياستهم الاستغلالية على :
أ- القانون الاحتكاري :
أصبح استغلال المستعمرات يخضع للقانون الاحتكاري الذي يمنع المستعمرة من التعامل تجاريا إلا مع الدولة المستعمرة، فقد أصبحت الجزائر منذ سنة 1884 مرتبطة بفرنسا تجاريا عن طريق الوحدة القمرقية.
ب- الميثاق الاستعماري :
اعتمدت السياسة الاستعمارية في ميدان الاستغلال على الميثاق الاستعماري الذي ارتكز على المبادئ التالية :
- ضرورة تصدير المنتوجات الصناعية إلى المستعمرات واستيراد المواد الأولية منها (معادن، مطاط، قطن...)
- منع المستعمرات من إنشاء صناعات يمكن لها أن تنافس صناعة الدولة المستعمرة
- إرغام المستعمرات على شراء منتوجاتها القومية التي وقع تحويلها بالخارج بأثمان باهضة مثل القطن الهندي الذي تحوله إنقلترا وتصدره كأقمشة إلى الهند بأسعار جد مرتفعة.
- مصادرة الأراضي الفلاحيّة عن طريق الانتزاع مثل المراعي والغابات...
- تكليف الشركات باستغلال الأراضي الزراعية الخصبة والمناجم (مناجم الفسفاط بشمال إفريقيا ومناجم النحاس بالكنغو) أو احتكار الأراضي الشاسعة لاستغلال الحلفاء أو الخشب أو المطاط.
III- اقتسام العالم :
وجدت الحركة الامبريالية مساندة قوية من طرف رجال السياسة والفكر، ففي إنقلترا ساندها "ديزرائلي" و"شامبرلان". أما في فرنسا فقد تحمس لها كل من "جول فيري" و"قمبطا" وأشاد بها الشعراء أمثال "كبلينق" الذي حببها للشعب بل اعتبرها عبء الإنسان الأبيض ورسالة الأمة نحو البشرية قاطبة. ولم تجد الامبريالية من عارضها باعتبارها حركة استغلالية إلا قلة نادرة، بل أن الوطنيين الفرنسيين الذين أنكروها، فإنهم اعتبروها خطرا على فرنسا لأنها تحد من قوتها العسكرية فتجبرها على إبقاء عدد من جيوشها بعيدة عن فرنسا مما يمنعها من استرجاع "الألزاس – لورين" المغتصبة من طرف ألمانيا. وهكذا اندفعت الدول الأوروبية نحو التوسع واشتد تنافسها وتسابقها للسيطرة على العالم وكاد هذا يؤدي إلى التصادم عسكريا لولا انعقاد ندوة برلين (1884-1885) التي أقرت المبادئ التي ترتكز عليها الحركة الاستعمارية وضبطت مناطق النفوذ والتوسع، من ذلك :- أنه لا يمكن لأية دولة فرض حمايتها على دولة أخرى إلا بعد اطلاع الدول الاستعمارية على ذلك.
- أنه لا يمكن ضم أية منطقة إلا إذا كان ذلك قد تم عن طريق الاحتلال الفعلي.
- وأقرّت الندوة أيضا حرية الملاحة في نهري الكنغو والنيجر وأعلنت إلغاء تجارة الرقيق. وهكذا خف التوتر وابتعد شبح الحرب بين الدول الأوروبية وتم اقتسام العالم طبقا لاتفاقيات أبرمت بين الدول الاستعمارية.
1) اقتسام افريقيا :
كانت جل الأقطار الإفريقية قبيل سنة 1870 تتمتع باستقلالها باستثناء بعض المناطق التي خضعت للاستعمار الفرنسي كالجزائر والسينغال أو الإنقليزي كجنوب إفريقيا أو البرتغالي كأنغولا والموزمبيق. ذلك أن الحركة الاستعمارية لم تتمتع في بداية الأمر بمساندة قوية من طرف الدولة لأنها تكلفها نفقات باهضة لتجهيز الجيوش من جهة وتشغلها عن المشاكل الأوروبية من جهة ثانية. أما بعد سنة 1870 فقد نشطت الحركة الاستعمارية ووجدت مساندة قوية من طرف رجال السياسة خاصة ديزرائلي وشامبرلان وجول فيري وقمبطا وبسمارك، فاندفع هؤلاء نحو التوسع وما إن حل القرن XX حتى كانت القارة الإفريقية تخضع للهيمنة الاستعمارية الأوروبية باستثناء أثيوبيا.
أ- التوسع الاستعماري في شمال القارة الإفريقية :
اتخذت فرنسا من الجزائر قاعدة للتوسع في شمال إفريقيا، ففي سنة 1881 فرضت حمايتها على تونس ثم بسطت نفوذها على الصحراء فيما بين 1898 و1909. وبعد أزمة دولية حادة أصبح المغرب الأقصى محمية فرنسية سنة 1912. أما إيطاليا فقد تمكنت من فرض سيطرتها على سواحل ليبيا بينما فشلت في احتلال الحبشة (أثيوبيا). واهتمت إنقلترا بمصر بعد فتح قناة السويس التي أصبحت الممر العام المؤدي إلى الهند فبادرت باحتلالها سنة 1882. وأصبحت هكذا قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى جل السواحل الإفريقية المطلة على البحر الأبيض المتوسط من طنجة إلى مصر تخضع للنفوذ الأوروبي.ب- التوسع الاستعماري في افريقيا الاستوائية :
تمكن المكتشف "برازا" (Brazza) من فرض الحماية الفرنسية على ملك الكنغو "مكوكو" (Mokoko) وفي سنة 1882 وافق البرلمان الفرنسي على هذا الاتفاق. وفي نفس الوقت كان "ستانلاي" (Stanley) الأمريكي الذي كان يعمل لفائدة ملك بلجيكا "ليوبولد II" قد اكتشف ما تبقى من حوض الكنغو وفرض عليه الحماية البلجيكية. وتمكنت ألمانيا من احتلال الجنوب الغربي والشرقي لإفريقيا وسيطرت على الكامرون والطوغو، فاشتد التنافس بين الدول الأوروبية وأدى إلى انعقاد ندوة برلين (1884-1885).ج- التوسع الاستعماري في إفريقيا الغربية :
تمكنت إنقلترا من السيطرة على ساحل الذهب ونيجيريا، بينما انطلقت فرنسا من السينغال فسيطرت على طمبكتو بالنيجر (1893) ثم على ساحل العاج والداهومي وغينيا وفي سنة 1895 تم الربط بين النيجر وساحل العاج كما تم احتلال جزيرة مدغشقر. وانطلقت سنة 1900 ثلاث وحدات عسكرية من الجزائر والنيجر والكونغو والتقت بالتشاد فتم تكوين الإمبراطورية الفرنسية بإفريقيا التي امتدت من البحر الأبيض المتوسط إلى خليج غينيا.د- التوسع الاستعماري في إفريقيا الشرقية :
قامت إنقلترا بالسيطرة على إفريقيا الشرقية للربط بين القاهرة والكاب، فاستولت على كينيا وأوغندا وزنجيبار وفرضت حمايتها على بشوانلندا (Bechuanaland) وروديسيا سنة 1895. كما تمكن الجنرال كتشنار (Kitchener) من الاستيلاء على السودان. ووجدت إنقلترا منذ سنة 1899 بعض المصاعب خاصة بعد اكتشاف مناجم الذهب والألماس بإفريقيا الجنوبية فقامت بين المعمرين الانقليز والهولندين (البوبر) حرب انتهت بانتصار إنقلترا سنة 1902 فأصبح البوير رعايا التاج البريطاني. وهكذا سيطر الإنقليز والفرنسيون والألمان على معظم أجزاء القارة الإفريقية بينما سيطرت بلجيكا على حوض الكونغو والبرتغال على أنغولا والموزمبيق وغينيا، وإسبانيا على أفنى وريودي أورو، وإيطاليا على الصومال الشرقي وليبيا، فتحولت كل الأقطار الإفريقية إلى مستعمرات أوروبية باستثناء أثيوبيا التي صمدت أمام الغزو الإيطالي.أخذت الدول الأوروبية في نفس الوقت تتوسع أيضا في آسيا وأستراليا خاصة بعد حصول معظم الدول الأمريكية على استقلالها، ومما ساعدها على ذلك ما كان لبعضها من مراكز كانت قد سيطرت عليها قبيل القرن XIX.
أ- غزو آسيا الوسطى :
سيطرت إنقلترا منذ القرن XVIII على سواحل الهند ومدت نفوذها على سهول الغانج والأندوس سنة 1830، وتمكنت بعد قمع ثورتي البنجاب والسيباي من بسط نفوذها على الهند فنصبت فيها سنة 1858 نائبا عن ملك إنقلترا له حكومته وجيشه وميزانيته. وقامت إنقلترا لتركيز أقدامها بالهند وحماية أغنى وأوسع مستعمراتها بغزو الأسام سنة 1828 ثم برمانيا سنة 1852 ومدت نفوذها على بحر الصين واستقرت بهونكنغ كما سيطرت أيضا على البحر الأحمر أما روسيا فقد استطاعت منذ القرن XVIII التوسع في المناطق الشرقية من آسيا فغزت فيما بين 1850 و 1860 سبيريا فسيطرت على منطقة بحرية على المحيط الهادي، وانطلاقا من القوقاز قامت بالاستيلاء على مدن بخارى وطشقند ومرو. أزعج هذا التوسع إنقلترا فبادرت باحتلال بلوشستان وكابول وفرضت حمايتها على أفغانستان سنة 1879 مما أدى إلى تصادم الدولتين ودخولهما في حروب متواصلة انتهت باتفاق سنة 1895 الذي أقر استقلال أفغانستان بضمان منها. وهكذا وضع حد للتوسع الروسي واطمأنت إنقلترا على ممتلكاتها بالهند.ب- غزو الشرق الأقصى :
كانت فرنسا وإنقلترا قد احتلتا منذ سنة 1880 بعض المناطق في الجنوب الشرقي من آسيا وانطلاقا من ذلك أخذتا تسعيان للتوسع. أخذت فرنسا منذ سنة 1882 وتحت تأثير جول فيري تتوسع في الهند الصينية فغزت الطنكان وفرضت على الصين التي فقدت سيادتها على هذه المنطقة معاهدة تيان تسين (Tien Tsin) (1884). ولكن الجيش الصيني باغت الجيوش الفرنسية في "لانغ سون" (Lang Son) مما أدى إلى سقوط حكومة فيري، لكن الفرنسيين أعادوا غزوهم بعد تعزيز صفوفهم، فتمكنوا من طرد الصينيين وفرضوا عليهم معاهدة تيان تسين الثانية، فتحصلت فرنسا بمقتضاها على الأنام ثم قامت باحتلال اللاوس. وفي سنة 1895 تأسست كنفيدرالية الهند الصينية التي ضمتا مستعمرة الكوشنشين (Cochinchine) ومحميات الأنام والطنكان وكامبوديا واللاوس. أحدث هذا التوسع مخاوف إنقلترا فقامت بالتدخل سنة 1886 وذلك لحماية سواحل الهند الشرقية والطرق التجارية المتجهة نحو الصين، فاحتلت شمال برمانيا وطردت الفرنسيين من "السيام" وجعلت منه محمية إنقليزية. وهكذا اقتسم الفرنسيون والإنقليز جنوب شرقي آسيا كما اقتسم الهولنديون أندونيسيا مع إنقلترا.ج- غزو الصين :
ظلت الصين حتى القرن XIX في عزلة مغلقة في وجه الدول الأوروبية التي لم تأمل في غزوها سياسيا، لذا اتبعت طريقة أخرى عن الطرق الاستعمارية التقليدية، تمثلت في تقسيم الصين إلى مناطق نفوذ لاستغلال هذه السوق الواسعة التي تمسح 11 مليون كم2 ويسكنها حوالي 300 مليون نسمة. كانت الصين متخلفة اقتصاديا يحكمها منذ سنة 1644 إمبراطور من أسرة منشو (Mandchoue) وكانت المقاطعات لا تخضع للسلطة المركزية، لذا عجزت الدولة عن مجابهة الأخطار الخارجية فوقع تقسيمها إلى مناطق نفوذ وتم ذلك على مراحل: - المرحلة الأولى: وجد التجار الأجانب صعوبات كبيرة في ممارسة أعمالهم خاصة تهريب الأفيون الذي كان يدر عليهم أرباحا طائلة، فقد قامت حكومة الصين سنة 1838 بمنع نزول الافيون بمدينة كانطون (Canton) وبيعه في الصين. وهذا ما دفع إنقلترا إلى التدخل العسكري فقامت حرب الافيون (1840-1842) التي انتهت بتوقيع الصين على معاهدة نانكين (Nankin) سنة 1842 وتحصلت بمقتضاها إنقلترا على عدة امتيازات منها سيطرتها على هونكنغ (Hong – Kong) وفتحها لأربعة موان صينية أمام التجارة الأوروبية زيادة على ميناء كانطون.- المرحلة الثانية : اتخذت فرنسا وإنقلترا من مقتل أحد المبشرين الفرنسيين بالصين سنة 1860 ذريعة للتدخل العسكري، فتم فتح عدة موان أخرى أمام التجارة الأوروبية وتمكنت الدول الإمبريالية بعد ذلك من الحصول على امتيازات جديدة في هذه المواني منها :
- رفع أعلام الدول الأوروبية على المواني الصينية
- محاكمة الرعايا الأوروبيين من طرف محاكم خاصة بهم
- إلغاء جميع الرسوم القمرقية المسلطة على البضائع الأوروبية وهكذا أصبحت الصين غير قادرة على حماية اقتصادها الوطني.
- المرحلة الثالثة : ظهرت الثورة الصناعية في اليابان فاندفعت هي أيضا نحو التوسع الاستعماري فقامت بغزو الصين سنة 1894 وفرضت عليها معاهدة "سيمونوزاكي" (Simono Seki) سنة 1895 التي مكنتها من جزيرة فرموزا وشبه جزيرة "لياو تونغ" (Liao Toung) وتخلت الصين عن كوريا ممهدة الطريق لوضعها تحت الوصاية اليابانية. كانت هذه المعاهدة صدمة قوية لمطامع روسيا التي كانت ترغب في الاستئثار بالسيادة على شمال آسيا، فاتفقت مع ألمانيا وفرنسا على مقاومة هذه المعاهدة. فاضطرت اليابان إلى التنازل عن شبه جزيرة لياو تونغ وميناء "بورت ارثر" (Port Arthur) وأخذت الدول الأوروبية تتسابق للحصول على مناطق نفوذ جديدة بالصين من ذلك :
- انتصاب فرنسا في جنوب الصين وحصولها على عدة امتيازات لاستغلال المناجم والسكك الحديدية – احتلال إنقلترا "واي هاي واي" (Wei Hai Hai) وامتداد نفوذها على وادي اليانغ تسي كيانغ (Yang Tsé Kiang)
- استئجار ألمانيا ميناء "كياو تشايو" (Kiao Tcheou) لمدة 99 سنة وامتداد نفوذها حتى مقاطعة شانتونغ
- أما روسيا فقد كان نصيبها عظيما ونفوذها قويا في بكين والصين عامة، فقدمت القروض للدولة واستأجرت ميناء أرثر، ومدت السكك الحديدية والخطوط التلغرافية، واعتبرت كوريا ومنشوريا منطقتي نفوذها، فأثار ذلك اليابان فدخلت في حرب مع روسيا (1904-1905) انتهت بانتصار اليابان وحصولها على عدة امتيازات جديدة، فحولت روسيا أنظارها نحو منغوليا الخارجية التي خضعت اسميا للسيادة الروسية سنة 1913. وهكذا تحولت جميع ثروات الصين من تجارة خارجية وموان وسكك حديدية ومناجم إلى الأجانب دون أن تكون الصين مستعمرة بالمعنى التقليدي.
الخاتمة :
ظهرت الحركة الإمبريالية نتيجة للثورة الصناعية والأزمة الاقتصادية التي عرفتها أوروبا من سنة 1873 إلى سنة 1895 فاندفعت الدول الأوروبية نحو التوسع الاستعماري، ففرضت سيطرتها وهيمنتها على إفريقيا وآسيا وأستراليا. غير أن هذه الحركة الإمبريالية تعرضت بعد الحرب العالمية الأولى إلى أزمات حادة أدت في النهاية إلى تحرر الشعوب من الاستعمار، ومع ذلك فقد بقيت شعوب إفريقيا وآسيا تعاني حتى اليوم آثار الإمبرياليّة ومخلّفاتها.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة