الوحدة الألمانية - الثورة الصناعيّة ونموّ الدول الغربيّة
الثورة الصناعيّة ونموّ الدول الغربيّة
الوحدة الألمانيّة
نمت الروح القوميّة الألمانيّة نموا سريعا وجعلت الألمان يشعرون بضرورة توحيد صفوفهم لمجابهة الأخطار الداخليّة والخارجيّة، وفي وقت كانت فيه ألمانيا مقسّمة إلى دويلات عديدة.
وكانت حروب نابليون مبعث ألم بالغ وحقد عميق للمحتلّ الغاصب تذكّرهم وتشعرهم دوما بضرورة تضمانهم واتحادهم.
وقد قام رجال الأدب والفلسفة والتاريخ بدور كبير في تنمية هذه الروح فخلقوا جيلا ألمانيا جديدا متشبّعا بالروح القوميّة.
فكانت فلسفة كانت (Kant) تؤكّد على قوّة الإرادة وفلسفة فيختة (Fichte) تؤكّد على الاعتماد على النفس والتحرّر من النفوذ الأجنبي وممّا قاله في اليوم الذي احتلّت فيه جيوش نابليون برلين "إنّكم إذا عزمتهم عزم الرجال فتحتم أمامكم مستقبلا واضحا مليئا بالشرف والحياة ووجدتهم شباب أمّة ناصعة الجبين تنقذونها وتنقذكم، تلك الأمّة التي تجعل "الألمانيّة" فوق كلّ شيء وتبعث الحياة في العالم".
أمّا المؤرّخ شتاين فقد قام بإحياء شعور الألمان بالميل إلى دراسة تاريخهم القومي إذ قال : "إنّني بجعلي الألمان يدرسون تاريخهم درسا دقيقا أريد أن أشعل في قلوبهم نار الحبّ لوطنهم العامّ وأحيي فيهم مآثر الأجداد".
وهكذا أصبحت الروح القوميّة تتأجّج في صدر كلّ ألماني وتبعث فيه رغبة أكيدة لتوحيد الأمّة الألمانيّة.
وقد تزعّمت بروسيا أقوى الدويلات الألمانيّة حركة الوحدة هذه رغم انقسامها إلى قسمين وذلك لمكانتها وأهمّيتها الاقتصاديّة والعسكريّة، ولوجود برلين العاصمة في جزئها الشرقي.
واستمرّت بروسيا تناضل رغم فشل الحركة الوحدويّة سنة 1850 إذ خرجت منهزمة مقهورة من طرف النمسا التي فرضت زعامتها من جديد على الدويلات الألمانيّة.
غير أنّ انهزام بروسيا لم يثن من عزمها ولم يغيّر من تأثيرها العميق على بقيّة الدويلات الألمانيّة لأسباب سياسيّة واقتصاديّة خاصّة بعد قيام الاتّحاد القمرقي زولفراين (Zollverein) سنة 1828.
لذا عقدت العزم على مواصلة الكفاح لتحقيق مطامح الشعب الألماني بأسره فقامت بشنّ حربين متتاليتين الأولى على النمسا والثانية على فرنسا.
I- المرحلة الأولى : الحرب ضد النمسا :
1)- وليم الأول وبسمارك :
تولّى العرش البروسي وليم Iـ (1797-1888) سنة 1861 في سنّ الرابعة والستين من العمر إثر اختلال القوى العقليّة لوالده فريدريك فعقد العزم على تحقيق الأماني الوطنيّة التي كان متحمّسا لها يطمح في تحقيقها. وكان نشيطا حازما بطبعه، يؤمن بالحقّ الإلهي في الحكم، إذ لم يكن ذا نزعة دستورية حرّة.
بدأ عهد بالعناية بالجيش فأصبح يأخذ منه كلّ اهتمامه فعيّن فون رون (Von Roon) وزيرا للحرب واختار على رأس الجيش فون مولك (Von Moltke) الجنرال الموهوب، فاتّفق هذا الثالوث على تقوية الجيش و تنميته وتدعيمه فتقرّر أن تصبح الخدمة العسكريّة لمدّة ثلاث سنوات وأن يستدعي لها 63.000 جنديّا عوض عن 40.000 وأن يزداد عدد الجيش الاحتياطي. ومن الطبيعي أن يتطلّب ذلك مصاريف إضافية، فعرضت الحكومة مشروع الميزانية على البرلمان فرفض ذلك رغبة منه في إثبات سلطته ونفوذه على الملك ووزرائه. وحاول وليم I التنازل عن العرش تجنّبا لفتنة أهليّة إلاّ أنّ فون رون أشار عليه باستدعاء بسمارك سفير بروسيا بباريس لتعيينه على رأس الحكومة الجديدة.
ففي اليوم الذي رفض فيه البرلمان الميزانيّة للمرّة الثانية عين وليم I بسمارك الرجل القويّ رئيسا للوزراء فأصبح رجل الساعة الذي ستعرف ألمانيا على يديه وحدتها.
أوتوفون بسمارك (Otto Von Bismarck) هو نبيل من بروسيا الشرقيّة محافظ أرستقراطي النزعة. يتمتّع بمواهب عقليّة ممتازة وإرادة ممتازة وإرادة فولاذيّة نادرة، يؤمن إيمانا قويّا بضرورة وحدة ألمانيا ويعتقد أنّها لا يمكن أن تتحقّق إلاّ عن طريق بروسيا، لذا كان عدوّا لدودا للنمسا لأنّه يرى فيها العقبة الكأداء التي تقف أمام بروسيا لتحقيق أهدافها ومطامحها.
انخرط بسمارك في سلك الخدمة المدنيّة ثمّ انصرف إلى العناية بأملاكه وأصبح ممثّلا لبروسيا في مجلس الدايات (Diete) الجديد الذي فرضته النمسا (1851-1859) فاكتسب خبرة سياسيّة في الشؤون الألمانيّة، ثمّ عيّن سفيرا لروسيا في روسيا فاكتسب احترام القيصر وتعلّم اللّغة الروسيّة، ثمّ عيّن سفيرا في باريس سنة 1862 وبقى بها بضعة أشهر تعرف خلالها على نفسية نابليون الثالث وطباعه إلى أنّ استدعى إلى برلين ليتولّى رئاسة الوزراء.
فبادر بسمارك بمخاطبة البرلمان البروسي بقوله : "إنّ ألمانيا لا ترنو بعينها إلى نظام دستوري في بروسيا ولكن إلى قوّتها، إنّ قضايا اليوم الكبرى لا تحلّها الأكثريّة ولا قراراتها وإنّما تحلّ بالدمّ والحديد".
وهكذا كان بسمارك بعيد النظر واضح الرؤية، مستبدا محبّا للقتال، لذا عرف بالوزير الحديدي، فكان يستعمل جميع الوسائل بما في ذلك القوّة لتحقيق مطامح بروسيا ومصالحها، من ذلك قوله : "إنّ مصلحة بروسيا بالنسبة لي يجب أن تعتبر ميزان سياستنا".
ومن هنا أخذ على عاتقه تحقيق هذه المصالح بكلّ الطرق، فراقب الصحافة وطارد أنصار النزعة الدستوريّة التحرريّة في البرلمان حتى بلغ كرههم له أن اشترطوا الموافقة على الميزانيّة مقابل عزل بسمارك. وقد أدرك هو نفسه هذا الكره فقال : "إنّ الناس ليبصقون على المكان الذي تدوسه رجلي في الشارع".
2)- سياسة بسمارك :
كان بسمارك يدرك أنّ الحرب واقعة لا محالة في سبيل تحقيق الأماني القوميّة ذلك أنّ النمسا وقفت وستقف دوما ضدّ قيام ألمانيا الموحّدة ألمانيا الكبرى. لذا كان لا بد من الاستعداد لمواجهة هذا الخصم العنيد وذلك :
- بتكوين قوّة عسكريّة قادرة على سحق النمسا.
– باتباع ديبلوماسيّة ذكيّة تجعل النمسا في معزل عن كلّ مساعدة دوليّة.
أ- تدعيم القوّة العسكريّة :
واجه بسمارك لتحقيق إصلاحاته العسكريّة معارضة شديدة من طرف البرلمان لذا اقترح على الملك جمع الضرائب دون موافقته خلافا لدستور 1850 وكان ذلك بمثابة انقلاب عسكري كان بسمارك متيقنا من نجاحه.
وفعلا قام كلّ من المارشال فون رون وزير الدفاع والمارشال فون مولك رئيس أركان الحرب بإدخال تنظيمات عسكريّة على نظام الجيش وأسلحته وطرقه الحربيّة. فظهرت أسلحة جديدة متطوّرة كالبندقيّة السريعة الطلقات من نوع دريز (Dreyse) والمدفع الفولاذي من نوع كروب (Krupp)، كما أدخلت طريقة جديدة في الحرب تمثّلت في الهجوم السريع المباغت حسب خطّة مضبوطة مستغلّة السكك الحديديّة لضمان سرعة حركيّة الجيش.
وبهذه الإصلاحات الجذريّة العصريّة أصبح الجيش البروسي سنة 1866 أعظم قوّة عسكريّة ضاربة في العالم.
ب- عزل النمسا ديبلوماسيا :
لم يكن بسمارك رجل حرب فحسب بل كان ديبلوماسيا حاذقا يستغلّ كلّ الفرص للتقرّب والتحالف مع الدول الكبرى من جهة وعزل النمسا دوليّا من جهة ثانية.
– ففي سنة 1863 انتهز فرصة نشوب ثورة في بولونيا فتعهّد لروسيا – ليضمن جانبها – مساعدتها للقضاء على هذه الثورة. وفعلا فقد سمح لجيوش روسيا الدخول في الأراضي البروسية لملاحقة الثوار. فاكتسب بسمارك بعمله هذا رغم استنكار البرلمان البروسي صداقة قيصر روسيا. فأحييّ بذلك التحالف التقليدي بين روسيا وبروسيا.
– وفي سنة 1864 أصبح بسمارك بطلا قوميّا ألمانيا بإعلانه الحرب على الدانمارك لتحرير سلزفيك (Sleswig) وهلشتاين (Holstein) المقاطعتان اللّتان يوجد فيهما عدد من الألمان.
– وفي أكتوبر 1865 سافر بسمارك إلى بياريتز (Biarritz) للقاء نابليون III. فتحادث معه واستعطفه مستغلاّ ما كان يعانيه من مشكلة المكسيك. فضمن بذلك حياده في صورة ما إذا اندلعت الحرب مع النمسا.
– وأخيرا ففي أفريل 1866 وبالتعاون مع نابليون III استطاع بسمارك مساومة إيطاليا على البندقيّة فعقد معها حلفا يقضي في حالة نشوب حرب مع النمسا بانضمام إيطاليا إليه مقابل التنازل عن البنقدية لها.
3)- انهزام النمسا :
بعد هذه الإصلاحات والاستعدادت العسكريّة والديبلوماسيّة لم يبق أمام بسمارك إلاّ إعلان الحرب لسحق النمسا فأخذ يتحرّش بها في هلشتاين ويتدخّل في شؤون هذه الولاية الداخليّة ممّا دفع الإمبراطور النمساوي إلى إعلان الحرب ضدّ بروسيا في 14 جويلية 1866.
فأعلن بسمارك أنّ بروسيا ستخوض غمار حرب دفاعيّة في سبيل تحقيق مصالح ألمانيا الموحّدة.
كانت الحرب سريعة وخاطفة لم تدم أكثر من خمسة عشر يوما وكان التفوّق العسكري البروسي واضحا وجليّا، فقد تمكّن الجيش البروسي من سحق الدول الألمانيّة الصغيرة حليفة النمسا (هانوفر وبفاريا...)
ثمّ اشتبكت الجيوش البروسيّة بقيادة مولك بجيوش النمسا في بوهيميا وفي معركة سادوا (Sadowa) انتصرت بروسيا انتصارا عظيما وذلك في 3 جويلية 1866 فانفتح الطريق أمامها لاحتلال فينا ممّا دفع النمسا إلى طلب النجدة والمساعدة من نابليون III. فأدرك بسمارك خطورة الموقف ورأى أنّ في اكتساب مودّة النمسا وهي في حالة انكسار أفضل بكثير من إذلالها. واستطاع بما امتاز به من تأثير أن يقنع أعضاء المجلس العسكري الذين أرادوا مواصلة القتال بالموافقة على إمضاء معاهدة براغ يوم 23 أوت 1866 التي كانت جلّ بنودها في صالح بروسيا وبمقتضاها :
- اعترف امبراطور النمسا بانحلال الكنفدراليّة الجرمانيّة التي يسيطر عليها.
- تنازل الامبراطور عن حقوقه في هلشتاين وسلفزيك.
- وافق الامبراطور على تنظيم اتحاد ألماني جديد يضمّ دول الشمال (شمال نهر المين Maine) برئاسة ملك بروسيا. أمّا الولايات الجنوبيّة فتستطيع تأليف اتحاد يرتبط مع اتحاد الشمال. وهكذا تألّف الاتحاد الجرماني الشمالي من 22 دولة وأصبح ملك بروسيا رئيس حكومة الاتحاد وبسمارك مستشاره المسؤول أمامه كما أصبح لهذا الاتحاد برلمان مؤلف من مجلسين :
- الرايخستاغ (Reichstag) انتخب الشعب نوابه انتخابا مباشرا وذلك في مارس 1867.
- البندسرات (Bundstrat) ويتألّف من ممثلي حكومات الدول.
أمّا دول الجنوب فقد عقد معها بسمارك كلّ على انفراد معاهدات هجوميّة ودفاعيّة فضمن بذلك وقوف ألمانيا في حرب مقبلة صفّا واحدا ضدّ كلّ اعتداء أجنبي.
II- المرحلة الثانية : الحرب مع فرنسا :
1)- الدوافع الأصلية للصراع :
أ- معارضة فرنسا لقيام الوحدة الألمانيّة :
أدركت فرنسا بعد انتصار بروسيا في "سادوا" وقيام اتحاد الشمال الألماني خطورة الموقف إذ أصبحت بروسيا قوّة عظيمة موحّدة تمثّل خطرا عظيما على فرنسا حتى قيل "إنّ فرنسا هي التي انهزمت في سادوا لا النمسا".
فكان هذا الانتصار الذي حقّقته بروسيا ضربة قويّة أثّرت في مكانة نابليون III وخيّبت كلّ أماله. لذا أخذ يبحث عن وسيلة يحدّ بها من نموّ بروسيا وقوّتها، من أجل ذلك عارض نابليون III انضمام الولايات الألمانيّة الصغيرة الجنوبيّة إلى اتحاد الشمال الألماني وذلك لوضع حدّ لتزايد قوّة بروسيا وأدرك بسمارك ذلك جيّدا وازداد يقينه بأنّ ألمانيا الكبرى لا يمكن أن تقوم إلاّ إذا انتصر على نابليون III عسكريّا فكانت الحرب ضرورة حتميّة.
ب- المطالبة بالتعويض :
وقع نبأ انتصار الألمان في سادوا وقوع الصاعقة على الفرنسيين لذا أخذ نابليون III يبحث عن طريقة لتهدئة الرأي العام الفرنسي فطالب من بروسيا بتعويض لفرنسا في منطقتي السار ولكسمبورغ (منها ما هو تابع لبروسيا ومنها ما هو تابع لبفاريا زعيمة الولايات الجنوبيّة) مقابل التوسّع البروسي من جهة ولوقوف فرنسا موقف الحياد في الحرب البروسيّة النمساويّة من جهة ثانية.
رفض بسمارك المطالب الفرنسيّة رفضا باتا وأعلن في عزم وإصرار أن ملك بروسيا لن يتنازل عن أي قرية ألمانيّة ولو أدّى ذلك إلى خوض غمار الحرب، فأثبت للولايات الجنوبيّة الألمانيّة عزم بروسيا الراسخ للدفاع عنها من الأطماع الفرنسيّة التي أصبحت واضحة وجليّة.
وهكذا كان هذا الرفض إهانة كبيرة لفرنسا زاد في توتّر العلاقات بين البلدين ومهد لقيام الحرب.
ج- مشكلة العرش الإسباني :
إثر الانقلاب الجمهوري الفاشل في إسبانيا وفرار إيزابلا إلى فرنسا أصبح العرش شاغرا فاستقر رأي الملكين الإسبان على عرض العرش على ليوبلد (Leopold) من عائلة آل هوهنزلرن أحد أقرباء وليم I فاستغلّ بسمارك هذا العرض واستطاع أن يقنع الأمير ليوبلد بقبول هذا المنصب لأنّه سيثير استياء فرنسا ممّا يدفعها إلى إعلان الحرب وهذا ما كان يسعى إليه بسمارك.
وأمام الضغط والاستياء الفرنسي سحب وليم I ترشح ليوبلد وبدا وكأنّ المسألة قد انتهت. إلاّ أن نابليون III طالب وأصرّ أن يكون التعهّد كتابيّا. وإثر توقّف المحادثات بين سفير فرنسا وملك بروسيا وليم I تلقى بسمارك برقيّة عن فحوى المحادثات فلخّصها ونشرها في الصحف بشكل تجعل القارئ يشعر من الجانبين الألماني والفرنسي بحصول إهانة للطرفين.
كان بسمارك وراء كلّ ذلك يسعى لاستفزاز الرأي العام الفرنسي ودفع فرنسا لإعلان الحرب. وفعلا ما إن نشرت البرقية الملخّصة حتّى ثارت ثائرة الفرنسيين والألمان معا فكانت السبب المباشر لإعلان فرنسا الحرب على بروسيا في 19 جويلية 1870.
2)- انهزام فرنسا وسقوط الامبراطوريّة :
اندلعت الحرب وكان الجيش البروسي على أتمّ الاستعداد لخوضها نظرا لتفوّقه من الناحيتين التقنيّة والماديّة زيادة على الروح المعنويّة العاليّة التي كان يتمتّع بها لأنّه سيدافع على مبادئ وأهداف قوميّة واضحة. كان يقود هذا الجيش القويّ المتماسك الماريشال مولك الذي بادر بشنّ هجوم سريع خاطف على الجيوش الفرنسيّة بحيث لم يترك لها الفرصة والوقت لتنظيم صفوفها و تجميع قواها.
ففي شهر أوت اجتاحت الجيوش البروسيّة الألزاس واللورين وفي سيدان (Sedan) حوصر الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال ماك ماهون (Mac Mahon) الذي كان قد التحق به الإمبراطور نابليون III. وبعد محاولات فاشلة لفك الحصار استسلم نابليون III في 2 ديسمبر 1870 وأسر مع 82.000 جندي بعد مقتل 25.000 رجل.
ووصل نبأ هذا الانهزام إلى باريس فأحدث انتفاضة قادها خاصّة قمبتا (Gambetta) وجول فيري (Jules Ferry) فقامت الجمهورية الثالثة في 4 سبتمبر 1870 وتكوّنت حكومة مؤقّتة عرفت بحكومة الدفاع الوطني.
3)- تحقيق الوحدة الألمانيّة :
لقد قررت حكومة الجمهورية الثالثة المؤقتة مواصلة الحرب والصمود أمام الغزو البروسي غير أنّ الجيوش الألمانيّة البروسيّة واصلت زحفها نحو باريس وفي ديسمبر 1870 أصبحت العاصمة الفرنسيّة محاصرة من طرف الألمان. واشتدّ الحصار وصمدت المدينة حتى نفذت الذخيرة وعمّ الجوع واشتدّ البرد.
وأمام هذا الانتصارات الباهرة التي حقّقتها بروسيا التحقت الدول الجنوبيّة الألمانيّة بالكنفيدرالية الألمانيّة التي تحوّلت إثر انتخابات ديسمبر 1870 إلى امبراطوريّة ألمانيّة.
وفي 18 جانفي 1871 وفيما كانت باريس محاصرة مهدّدة بالمجاعة، كان بسمارك في قصر فرساي يحيط به حكام الدول الألمانيّة والقوّاد وهو يتلو المرسوم الامبراطوري الذي يقضي بإعلان الامبراطوريّة الألمانيّة والمناداة بالملك وليم I امبراطورا لألمانيا.
وبعد عشرة أيام وتحت ضغط المجاعة في باريس والانهزامات المتكرّرة اضطرت الحكومة الفرنسيّة المؤقّتة إلى توقيع معاهدة صلح في 28 جانفي 1871. وبعد مفاوضات طويلة وقعت في ماي 1871 معاهدة فرانكفورت (Francfort) التي التزمت بمقتضاها فرنسا دفع غرامة ماليّة ثقيلة لألمانيا تقدّر بخمسة مليارات من الفرنكات. كما تنازلت فرنسا عن منطقتي الألزاس واللورين فتحقّق بذلك الهدف الذي كان يرمي إليه بسمارك وكلّ ألماني قومي.
الخاتمة :
لقد تحقّقت الوحدة الألمانيّة التي كانت كما هو الشأن بالنسبة للوحدة الإيطاليّة. من هذه الناحية فقط، نتيجة لعمل وزير وهو بسمارك.
وقد قامت هذه الوحدة على كاهل بروسيا دون سواها ودون أيّ مساعدة أجنبيّة، وذلك بفضل ما كانت تتمتّع به هذه المملكة من قوّة ونفوذ سياسي وعسكري.
وكانت هذه الوحدة ثمرة مجهود عسكريّ أكثر منه دبلوماسي ذلك أنّ بروسيا فرضت نفوذها على السكان والأمراء الألمان بقوّة الحديد والنار فتحقّقت بذلك وحدة ألمانيا الكبرى.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة