الولايات المتحدة الأمريكية من 1861 إلى 1914 - الثورة الصناعية ونمو الدول الغربية
الثورة الصناعيّة ونموّ الدول الغربيّة
الولايات المتّحدة الأمريكيّة من 1861 إلى 1914
شهدت الولايات المتحدة في النصف الأول من القرن التاسع عشر تطوّرا عظيما شمل كافة الميادين. فقد اتّسعت مساحة البلاد باحتلال أراض جديدة بالمنطقة الغربيّة وبالحصول على مناطق شاسعة كانت قبل ذلك تحت حكم الفرنسيين والإسبان والإنقليز، فتضاعف بذلك عدد الولايات المتحدة من 13 ولاية في أواخر القرن الثامن عشر إلى34 ولاية سنة 1861.
وشهدت البلاد في هذه المرحلة من تاريخها تحوّلات اقتصاديّة واجتماعيّة كبيرة إذ استغلّ الأمريكيون ما في باطن الأرض من ثروات كما استثمروا المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة واستفادوا من حماس المهاجرين الجدد لإحياء تلك الأرض البكر. وقد مكّن كلّ ذلك الشعب الأمريكي من تحقيق تقدّم كبير في الزراعة والصناعة والتجارة. ولكن هذا التطوّر الاقتصادي والاجتماعي لم يكن متساويا بين شمال البلاد وجنوبها ممّا تسبّب في اندلاع حرب أهليّة دعيت بحرب الانفصال.
I- مسألة العبيد وحرب الانفصال :
1) أسباب الخلاف :
كان الشمال والجنوب يتطوّران في هذه الفترة بطرق مختلفة إذ استغلّ المزارعون الأثرياء مناطق الجنوب وعملوا على تعصير الفلاحة والتوسع في الزراعات ذات الصبغة الصناعيّة وخاصّة القطن، فازدادت بذلك ثرواتهم على حساب عمالهم من العبيد الزنوج. وفي نفس الوقت ركّزت ولايات الشمال اهتمامها على التصنيع بمختلف أنواعه وبرزت بذلك للوجود طريقتان وعقليتان مختلفتان من حيث العمل بالنسبة لسكان الشمال وسكان الجنوب.
وبقطع النظر عن الاعتبارات السابقة فإنّ تضارب المصالح بين المهيمنين على النشاط الاقتصادي في الشمال والجنوب كان السبب المباشر في تلك الأزمة، إذ تركّز الخلاف بين شطري البلاد حول مسألة العبيد. فينما كانت مقتضيات التطوّر الصناعي في الشمال تستلزم وجود يد عاملة حرّة يمكنها التنقّل بسهولة في أطراف البلاد، كان التوسّع في استغلال الأراضي الزراعيّة وتنمية الثروات يستوجب في نظر كبار المزارعين في الجنوب توفّر المزيد من العبيد المستقرّين فوق الأرض وخاصّة في المناطق الغربيّة من البلاد لإحياء الأراضي الجديدة.
وقد خلقت مسألة استرقاق العمال السود مشكلة أخلاقيّة إذ اعتبر المعارضون لهذا النظام أنّه أصبح وصمة عار في جبين الولايات المتحدة فقاموا بحملة واسعة النطاق للقضاء عليه، ولقيت هذه الحملة نجاحا باهرا بسبب اقترانها بنشر قصة شهيرة بعنوان "مسكن العمّ توم "صوّرت ظروف الحياة القاسية للعبيد بالولايات المتحدة. وتمكّن المعارضون لنظام الرقّ في المناطق الشماليّة والذين تجمّعوا تحت لواء الحزب الجمهوري من تحقيق فوز مرشحهم أبراهام لنكلن - وهو المعروف بشدّة تحمّسه للقضاء على نظام الرقّ - في الانتخابات الرئاسية لسنة 1860. فكان ردّ فعل ولايات الجنوب على ذلك أن أعلنت عن انسحابها من الوحدة وتكوين ما سمي بالولايات المتحالفة. ولكن ولايات الشمال صمّمت من جانبها على الاحتفاظ بوحدة البلاد مهما كان الثمن.
2) الحرب الأهليّة (1865-1861) :
لم تكن القوى متكافئة بين الجانبين في هذا النزاع إذ كان الشمال يعدّ 23 ولاية يسكنها حوالي 22 مليون نسمة وكانت قادرة على إنتاج ما يلزمها من عتاد حربي نظرا لتقدّمها الصناعي. وفي نفس الوقت لم يكن الجنوب يعد سوى 11 ولاية لا يتجاوز عدد سكانها التسعة ملايين نسمة من بينهم أربعة ملايين من العبيد السود ولم تكن قادرة على إنتاج حاجياتها من العتاد الحربي.
وقد بدأت الحرب بين الجانبين في أفريل 1861 وحقّق جيش الجنوبيين بقيادة الجنرال (Lee) عدّة انتصارات على القوات الشماليّة التي كان يقودها الجنرال غرانت (Grant). ولكن كفّة النصر رجّحت أخيرا في بداية أفريل 1865 إلى جانب جيش الشمال بعد أربعة سنوات من المعارك المتواصلة. وشرع أبراهام لنكلن في هذا العام في ممارسة سلطته الرئاسية للمرّة الثانية ولكنه أغتيل يوم 14 أفريل 1865 من طرف ممثّل مسرحي ينتمي لجنوب الولايات المتحدة.
3- تجديد الوحدة عل يد الرئيس جونسون :
كان الرئيس جونسون مثل سلفه لنكلن شديد التعلّق بفكرة القضاء على نظام الرقّ من الولايات المتحدة. كما كان أيضا مناصرا لفكرة إصدار العفو عن سكان الجنوب بعد انهزامهم. واستطاع أن يحقّق اعتراف جميع ولايات الجنوب فيما عدا التكساس (Texas) بالتنقيح رقم 13 الذي أدخل على دستور الولايات المتحدة منذ شهر جانفي 1865 في عهد أبراهام لنكلن والذي قرّر إزالة نظام الرقّ نهائيا. ولقد لقي الرئيس جونسون معارضة شديدة من طرف الجمهوريين في الشمال بسبب مناداته بالعفو عن سكان الجنوب، وأدّت تلك المعارضة إلى تسليط عدّة عقوبات على هؤلاء السكان من أهمّها :
أ- حرمان سكان الجنوب الذين تورّطوا في حرب الانفصال من حقوقهم السياسيّة بمقتضى التنقيح الرابع عشر للدستور سنة 1866.
ب- التصويت سنة 1867 على قانون الاحتلال العسكري لولايات الجنوب.
ج- منح السود حقّ الانتخابات بمقتضى التنقيح الخامس عشر للدستور سنة 1868 ممّا أضعف مركز البيض في ولايات الجنوب.
وبالرغم من تلك الإجراءات القاسية فإنّ موجة الحقد التي سيطرت على الجانبين قد خفّت حدّتها بمرور الزمن، وتمكّن سكان الجنوب منذ سنة 1872 من استرجاع حقوقهم السياسيّة، كما وضع حدّ سنة 1877 للاحتلال العسكري لولايات الجنوب، وتوحّدت هكذا البلاد من جديد.
وشهدت البلاد في هذه المرحلة من تاريخها تحوّلات اقتصاديّة واجتماعيّة كبيرة إذ استغلّ الأمريكيون ما في باطن الأرض من ثروات كما استثمروا المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة واستفادوا من حماس المهاجرين الجدد لإحياء تلك الأرض البكر. وقد مكّن كلّ ذلك الشعب الأمريكي من تحقيق تقدّم كبير في الزراعة والصناعة والتجارة. ولكن هذا التطوّر الاقتصادي والاجتماعي لم يكن متساويا بين شمال البلاد وجنوبها ممّا تسبّب في اندلاع حرب أهليّة دعيت بحرب الانفصال.
I- مسألة العبيد وحرب الانفصال :
1) أسباب الخلاف :
كان الشمال والجنوب يتطوّران في هذه الفترة بطرق مختلفة إذ استغلّ المزارعون الأثرياء مناطق الجنوب وعملوا على تعصير الفلاحة والتوسع في الزراعات ذات الصبغة الصناعيّة وخاصّة القطن، فازدادت بذلك ثرواتهم على حساب عمالهم من العبيد الزنوج. وفي نفس الوقت ركّزت ولايات الشمال اهتمامها على التصنيع بمختلف أنواعه وبرزت بذلك للوجود طريقتان وعقليتان مختلفتان من حيث العمل بالنسبة لسكان الشمال وسكان الجنوب.
وبقطع النظر عن الاعتبارات السابقة فإنّ تضارب المصالح بين المهيمنين على النشاط الاقتصادي في الشمال والجنوب كان السبب المباشر في تلك الأزمة، إذ تركّز الخلاف بين شطري البلاد حول مسألة العبيد. فينما كانت مقتضيات التطوّر الصناعي في الشمال تستلزم وجود يد عاملة حرّة يمكنها التنقّل بسهولة في أطراف البلاد، كان التوسّع في استغلال الأراضي الزراعيّة وتنمية الثروات يستوجب في نظر كبار المزارعين في الجنوب توفّر المزيد من العبيد المستقرّين فوق الأرض وخاصّة في المناطق الغربيّة من البلاد لإحياء الأراضي الجديدة.
وقد خلقت مسألة استرقاق العمال السود مشكلة أخلاقيّة إذ اعتبر المعارضون لهذا النظام أنّه أصبح وصمة عار في جبين الولايات المتحدة فقاموا بحملة واسعة النطاق للقضاء عليه، ولقيت هذه الحملة نجاحا باهرا بسبب اقترانها بنشر قصة شهيرة بعنوان "مسكن العمّ توم "صوّرت ظروف الحياة القاسية للعبيد بالولايات المتحدة. وتمكّن المعارضون لنظام الرقّ في المناطق الشماليّة والذين تجمّعوا تحت لواء الحزب الجمهوري من تحقيق فوز مرشحهم أبراهام لنكلن - وهو المعروف بشدّة تحمّسه للقضاء على نظام الرقّ - في الانتخابات الرئاسية لسنة 1860. فكان ردّ فعل ولايات الجنوب على ذلك أن أعلنت عن انسحابها من الوحدة وتكوين ما سمي بالولايات المتحالفة. ولكن ولايات الشمال صمّمت من جانبها على الاحتفاظ بوحدة البلاد مهما كان الثمن.
2) الحرب الأهليّة (1865-1861) :
لم تكن القوى متكافئة بين الجانبين في هذا النزاع إذ كان الشمال يعدّ 23 ولاية يسكنها حوالي 22 مليون نسمة وكانت قادرة على إنتاج ما يلزمها من عتاد حربي نظرا لتقدّمها الصناعي. وفي نفس الوقت لم يكن الجنوب يعد سوى 11 ولاية لا يتجاوز عدد سكانها التسعة ملايين نسمة من بينهم أربعة ملايين من العبيد السود ولم تكن قادرة على إنتاج حاجياتها من العتاد الحربي.
وقد بدأت الحرب بين الجانبين في أفريل 1861 وحقّق جيش الجنوبيين بقيادة الجنرال (Lee) عدّة انتصارات على القوات الشماليّة التي كان يقودها الجنرال غرانت (Grant). ولكن كفّة النصر رجّحت أخيرا في بداية أفريل 1865 إلى جانب جيش الشمال بعد أربعة سنوات من المعارك المتواصلة. وشرع أبراهام لنكلن في هذا العام في ممارسة سلطته الرئاسية للمرّة الثانية ولكنه أغتيل يوم 14 أفريل 1865 من طرف ممثّل مسرحي ينتمي لجنوب الولايات المتحدة.
3- تجديد الوحدة عل يد الرئيس جونسون :
كان الرئيس جونسون مثل سلفه لنكلن شديد التعلّق بفكرة القضاء على نظام الرقّ من الولايات المتحدة. كما كان أيضا مناصرا لفكرة إصدار العفو عن سكان الجنوب بعد انهزامهم. واستطاع أن يحقّق اعتراف جميع ولايات الجنوب فيما عدا التكساس (Texas) بالتنقيح رقم 13 الذي أدخل على دستور الولايات المتحدة منذ شهر جانفي 1865 في عهد أبراهام لنكلن والذي قرّر إزالة نظام الرقّ نهائيا. ولقد لقي الرئيس جونسون معارضة شديدة من طرف الجمهوريين في الشمال بسبب مناداته بالعفو عن سكان الجنوب، وأدّت تلك المعارضة إلى تسليط عدّة عقوبات على هؤلاء السكان من أهمّها :
أ- حرمان سكان الجنوب الذين تورّطوا في حرب الانفصال من حقوقهم السياسيّة بمقتضى التنقيح الرابع عشر للدستور سنة 1866.
ب- التصويت سنة 1867 على قانون الاحتلال العسكري لولايات الجنوب.
ج- منح السود حقّ الانتخابات بمقتضى التنقيح الخامس عشر للدستور سنة 1868 ممّا أضعف مركز البيض في ولايات الجنوب.
وبالرغم من تلك الإجراءات القاسية فإنّ موجة الحقد التي سيطرت على الجانبين قد خفّت حدّتها بمرور الزمن، وتمكّن سكان الجنوب منذ سنة 1872 من استرجاع حقوقهم السياسيّة، كما وضع حدّ سنة 1877 للاحتلال العسكري لولايات الجنوب، وتوحّدت هكذا البلاد من جديد.
II - الديمقراطيّة الأمريكيّة ومشكلة النزوج :
1- النظام الرئاسي :
أ- السلطة التنفيذيّة الفيدراليّة :
يعتبر رئيس الولايات المتحدة أعلى ممثّل للسلطة التنفيذيّة الفيدراليّة ويقع انتخابه لمدّة أربع سنوات من طرف منتخبين وقع اختيارهم في دورة أولى من مختلف الولايات للقيام بتلك المهمة. ويتمتّع الرئيس بسلطات واسعة إذ يعين بنفسه الوزراء الذين يسمّون كتاب دولة، كما أنّ له حقّ رفض أي قانون وقع التصويت عليه من طرف البرلمان ولكنّه ملزم بقبول ذلك القانون إذا وقع التصويت عليه مرّة ثانية بأغلبيّة ثلثيّ النواب. ويعين الرئيس من ناحية أخرى الموظفين السامين في النطاق الفيدرالي كما أنّ له حقّ العفو. ويعرف هذا النظام بالنظام الرئاسي لما يتمتّع به شخص الرئيس من نفوذ واسع النطاق.
ب- السلطة التشريعيّة الفيدراليّة :
أمّا السلطة التشريعيّة فيمثّلها البرلمان الذي يسمّى بالكنغرس ويضمّ مجلسين :
- مجلس النواب الذي يقع انتخابه لمدّة سنتين على أساس نائب عن كلّ 45 ألف سنة.
- مجلس الشيوخ الذي يقع انتخابه لمدّة ستّة سنوات على أساس شيخين عن كلّ ولاية ويقع تجديد ثلث أعضائه كلّ سنتين. ولهذا المجلس صلاحيّة محاكمة الرئيس في صورة اتهامه بالخيانة العظمى من طرف مجلس النواب.
ج- السلطة العدليّة الفيدراليّة :
تتمثّل السلطة العدليّة في النطاق الفيدرالي في المحكمة العليا المتركبة من تسع حكام سامين معينين مدى الحياة من طرف رئيس الولايات المتحدة. ولهذه المحكمة حق البت في الخلافات التي تنشأ بين بعض الولايات أو بينها وبين الحكومة الفيدرالية، ولها النظر كذلك فيما يقدمه المواطنون الأمريكيون من قضايا ضد تجاوز الموظفين لسلطاتهم وهي بذلك تمثل أعلى سلطة قضائيّة في البلاد.
2- ارتباط السياسة الأمريكيّة بالمصالح الاقتصاديّة :
2- ارتباط السياسة الأمريكيّة بالمصالح الاقتصاديّة :
لقد كان اهتمام المواطنين الأمريكيين بالمسائل الداخليّة التي تتعلّق بتطوّر ولاياتهم يفوق اهتمامهم بالسياسة والشؤون الفيدراليّة. فكانت بذلك الانتخابات الرئاسيّة تسجّل نسبة كبيرة من الممسكين عن التصويت.
وكانت الأحزاب السياسيّة من ناحية أخرى في قبضة سياسيين محترفين لهم روابط متينة مع المؤسّسات الاقتصاديّة التي تموّل حملاتهم الانتخابيّة. ولا يفرّق بين هؤلاء القادة السياسيين مبادئ وبرامج سياسيّة معينة بقدر ما يفوق بينهم المصالح الاقتصاديّة التي يمثلونها ويدافعون عنها. وقد تداول على الحكم في الولايات المتحدة حزبان هما :
أ- الحزب الجمهوري :
كان هذا الحزب يمثّل خاصّة الطبقة البرجوازيّة المتكوّنة من رجال الأعمال في الشمال الشرقي والشمال الغربي للبلاد وكان يطالب بحماية الصناعة والتجارة الأمريكيّة من المزاحمة الخارجيّة ويدافع عن مصالح الرأسماليّة. وقد أمسك بمقاليد الحكم فيما بين 1861-1885 و1889-1893 و1897-1913.
ب- الحزب الديمقراطي :
كان أنصار هذا الحزب ينتمون إلى طبقة المزارعين العاملين خاصّة بجنوب البلاد وإلى طبقة العمال. وكانت سياسته ترتكز على المطالبة بحريّة التجارة والاستقلال الداخلي للولايات ومقاومة المؤسّسات الرأسماليّة الكبرى. وقد أمسك بزمام الحكم في المدّة المتراوحة بين 1885-1889 و1893-1897 و1913-1921.
إنّ هذه الطريقة من الحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة تختلف كثيرا عن الديمقراطيّة البرلمانيّة التي عرفتها فرنسا وإنقلترا في نفس الوقت، ولكنّها لم ترض مجموع الشعب الأمريكي إذ برزت في أواخر القرن التاسع عشر حركة إصلاحيّة هامّة انتقدت احتكار الحكم من طرف أقليّة من رجال الأعمال وطالبت بإصلاحات تهدف إلى تقويّة دور المواطنين في الحياة السياسيّة. فالمرأة الأمريكيّة لم تتحصّل مثلا على حقّ الانتخاب في كلّ الولايات إلاّ سنة 1920. وقد ظلت كذلك مشكلة التمييز العنصري بالنسبة للأمريكيين السود وصمة عار في جبين الديمقراطيّة الأمريكيّة.
3- مشكلة السود :
إنّ إزالة نظام الرقّ من الولايات المتحدة وإعطاء حقّ التصويت للسود لم يؤد لحلّّ مشكلة السود بقدر ما أدّى إلى تعقيدها، ذلك أنّ تلك الإجراءات سرعان ما وقع استغلالها من طرف البيض في الشمال للانتقام من السكان البيض في الجنوب فشجعوا السود على التصويت ضدّ البيض الجنوبيين. وقام هؤلاء بردّ فعل عنيف تمثّل في تكوين عدد من الجمعيات السريّة كانت أشهرها وأعنفها المسمّاة كلو كلوكس كلان (Ku Klux Klan) وهي التي قامت بحملات إرهابيّة ضدّ السود لمنعهم من التصويت وإدخال الرعب في قلوبهم. غير أنّ النموّ السريع لعدد السكان السود الذي ارتفع من أربعة ملايين نسمة سنة 1860 إلى عشرة ملايين في بداية القرن العشرين قد ضاعف من حيرة السكان البيض وأدّى لتركيز سياسة التمييز العنصري في عدد كبير من الولايات وخاصّة في الجنوب. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال بعض الإجراءات ذات الصبغة العنصريّة التي اتخذتها بعض الولايات :
وكانت الأحزاب السياسيّة من ناحية أخرى في قبضة سياسيين محترفين لهم روابط متينة مع المؤسّسات الاقتصاديّة التي تموّل حملاتهم الانتخابيّة. ولا يفرّق بين هؤلاء القادة السياسيين مبادئ وبرامج سياسيّة معينة بقدر ما يفوق بينهم المصالح الاقتصاديّة التي يمثلونها ويدافعون عنها. وقد تداول على الحكم في الولايات المتحدة حزبان هما :
أ- الحزب الجمهوري :
كان هذا الحزب يمثّل خاصّة الطبقة البرجوازيّة المتكوّنة من رجال الأعمال في الشمال الشرقي والشمال الغربي للبلاد وكان يطالب بحماية الصناعة والتجارة الأمريكيّة من المزاحمة الخارجيّة ويدافع عن مصالح الرأسماليّة. وقد أمسك بمقاليد الحكم فيما بين 1861-1885 و1889-1893 و1897-1913.
ب- الحزب الديمقراطي :
كان أنصار هذا الحزب ينتمون إلى طبقة المزارعين العاملين خاصّة بجنوب البلاد وإلى طبقة العمال. وكانت سياسته ترتكز على المطالبة بحريّة التجارة والاستقلال الداخلي للولايات ومقاومة المؤسّسات الرأسماليّة الكبرى. وقد أمسك بزمام الحكم في المدّة المتراوحة بين 1885-1889 و1893-1897 و1913-1921.
إنّ هذه الطريقة من الحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة تختلف كثيرا عن الديمقراطيّة البرلمانيّة التي عرفتها فرنسا وإنقلترا في نفس الوقت، ولكنّها لم ترض مجموع الشعب الأمريكي إذ برزت في أواخر القرن التاسع عشر حركة إصلاحيّة هامّة انتقدت احتكار الحكم من طرف أقليّة من رجال الأعمال وطالبت بإصلاحات تهدف إلى تقويّة دور المواطنين في الحياة السياسيّة. فالمرأة الأمريكيّة لم تتحصّل مثلا على حقّ الانتخاب في كلّ الولايات إلاّ سنة 1920. وقد ظلت كذلك مشكلة التمييز العنصري بالنسبة للأمريكيين السود وصمة عار في جبين الديمقراطيّة الأمريكيّة.
3- مشكلة السود :
إنّ إزالة نظام الرقّ من الولايات المتحدة وإعطاء حقّ التصويت للسود لم يؤد لحلّّ مشكلة السود بقدر ما أدّى إلى تعقيدها، ذلك أنّ تلك الإجراءات سرعان ما وقع استغلالها من طرف البيض في الشمال للانتقام من السكان البيض في الجنوب فشجعوا السود على التصويت ضدّ البيض الجنوبيين. وقام هؤلاء بردّ فعل عنيف تمثّل في تكوين عدد من الجمعيات السريّة كانت أشهرها وأعنفها المسمّاة كلو كلوكس كلان (Ku Klux Klan) وهي التي قامت بحملات إرهابيّة ضدّ السود لمنعهم من التصويت وإدخال الرعب في قلوبهم. غير أنّ النموّ السريع لعدد السكان السود الذي ارتفع من أربعة ملايين نسمة سنة 1860 إلى عشرة ملايين في بداية القرن العشرين قد ضاعف من حيرة السكان البيض وأدّى لتركيز سياسة التمييز العنصري في عدد كبير من الولايات وخاصّة في الجنوب. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال بعض الإجراءات ذات الصبغة العنصريّة التي اتخذتها بعض الولايات :
- سحب حقّ التصويت من كلّ مواطن لم يكن أبوه أو جدّه ناخبا سنة 1860. والمعلوم أنّ جميع السود الأمريكيين كانوا في هذا التاريخ من العبيد ولم يتحصّلوا بعد على حقّ التصويت.
- منع الزواج المختلط.
- منع السود من تقلد المناصب السياسيّة والإداريّة العامّة في البلاد.
- التحجير على السكان السود دخول الأماكن العموميّة والخاصّة بالبيض كالمدارس والكنائس والمطاعم والمسارح والنزل وغيرها. وإمعانا في تطبيق هذه السياسة العنصريّة حشر السود القاطنين بالمدن في أحياء خاصّة بهم.
- القيام بأعمال إرهابيّة من أخطرها إعدام السود دون محاكمة قانونيّة. وغالبا ما تعرّض لهذا النوع من الجرائم ضحايا أبرياء اتهموا بارتكاب أعمال سيئة اقترفها في الحقيقة مجهولون أو بعض المجرمين من البيض.
III- أهم التحوّلات في المجتمع الأمريكي قبل الحرب العالميّة الأولى :
1- الهجرة والنموّ الديمغرافي :
تطوّر عدد السكان في الولايات المتحدة من 31 مليون نسمة سنة 1860 إلى 75 مليون سنة 1900 ثمّ إلى 95 مليون سنة 1914. وهذا النموّ لعدد السكان لا يرجع إلى الزيادة الكبيرة التي حصلت في نسبة الولادات بقدر ما يرجع إلى ضخامة عدد المهاجرين القادمين من البلدان الأوروبيّة وغيرها نتيجة للدعاية المنظمّة التي كانت تقوم بها مصلحة الهجرة التي تأسّست سنة 1864.
وقد نزح أغلب المهاجرين الذين تدفّقوا على الولايات المتحدة حتى سنة 1880 من بلدان شمال غربي أوروبا مثل إرلندا وإنقلترا وألمانيا والأقطار الاسكندنافيّة. ولكن بعد ذلك التاريخ أصبحت أغلبيّة المهاجرين من الشعوب الإيطاليّة والسلافيّة واليهود القادمين من روسيا والإمبراطوريّة النمساويّة المجريّة. وبلغ مجموع المهاجرين فيما بين 1860 و1914 أكثر من 20 مليون نسمة استقرّوا خاصّة في مدن الشمال الشرقي من الولايات المتحدة وعلى ساحلها الغربي. ولم يقع اتخاذ التضييقات الأولى للهجرة إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد وجهت خاصّة ضدّ الصينيين بداية من سنة 1882 واليابانيين سنة 1907. وكانت غايتها الأساسيّة تلافي النزاعات بين الأجناس في المدن الكبرى. وعلى كلّ فقد لعبت الهجرة دورا هامّا في ازدهار الولايات المتحدة بفضل ما وفره المهاجرون من يد عاملة ساهمة بصفة إيجابيّة في تقدّم البلاد من الناحية الاقتصاديّة.
2- احتلال الغرب الأمريكي :
بدأ التوسّع في غربي الولايات المتحدة منذ أواخر القرن الثامن عشر وكان الهدف من ذلك هو البحث عن الذهب والفضة. ولكن الاستيطان في تلك المناطق لغايات اقتصاديّة أصبح أكثر ضرورة بعد الحرب الأهليّة وقد ساعد عليه مدّ خطوط حديديّة عبر القارة الأمريكيّة فزالت بذلك ما يسمّى بالحدود الداخليّة وتطوّر عدد الولايات من 34 سنة 1861 إلى 48 ولاية سنة 1912.
وقد تحقّق هذا التوسّع في غربي الولايات المتحدة على حساب قبائل الهنود الحمر المستقرّة في تلك المناطق والتي هزمت الواحدة تلو الأخرى بعد معارك ضارية وطويلة. واضطرّ الباقون من هؤلاء الهنود الذين كان عددهم أقلّ من 300 ألف نسمة، إمّا للعيش في المدن الأمريكيّة والاندماج مع المهاجرين أو الاستقرار في مناطق خاصّة بهم من أهمّها منطقة أكلاهوما (Oklahoma) .
وحدثت من جهة أخرى نزاعات بين البيض أنفسهم لأنّ المهاجرين الأولين الذين وقعت تسميتهم برعاة البقر قد تعاطوا خاصّة تربية الماشية وكانوا بذلك في حركة دائمة وراء مواشيهم ممّا سبب لهم نزاعات مستمّرة مع المهاجرين المتأخّرين الذين اشتغلوا بالفلاحة وكان يسوؤهم مرور قطعان البقر فوق أراضيهم. واضطر مربو المواشي بعد سنة 1880 للاستقرار في ضيعات متسعة تدعى رانش (Ranch) .
3- الازدهار الاقتصادي :
برز أعظم تطوّر اقتصادي للولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين وساعد على تحقيق هذه النهضة الفريدة من نوعها في العالم عدّة عوامل من أهمّها :
1- الهجرة والنموّ الديمغرافي :
تطوّر عدد السكان في الولايات المتحدة من 31 مليون نسمة سنة 1860 إلى 75 مليون سنة 1900 ثمّ إلى 95 مليون سنة 1914. وهذا النموّ لعدد السكان لا يرجع إلى الزيادة الكبيرة التي حصلت في نسبة الولادات بقدر ما يرجع إلى ضخامة عدد المهاجرين القادمين من البلدان الأوروبيّة وغيرها نتيجة للدعاية المنظمّة التي كانت تقوم بها مصلحة الهجرة التي تأسّست سنة 1864.
وقد نزح أغلب المهاجرين الذين تدفّقوا على الولايات المتحدة حتى سنة 1880 من بلدان شمال غربي أوروبا مثل إرلندا وإنقلترا وألمانيا والأقطار الاسكندنافيّة. ولكن بعد ذلك التاريخ أصبحت أغلبيّة المهاجرين من الشعوب الإيطاليّة والسلافيّة واليهود القادمين من روسيا والإمبراطوريّة النمساويّة المجريّة. وبلغ مجموع المهاجرين فيما بين 1860 و1914 أكثر من 20 مليون نسمة استقرّوا خاصّة في مدن الشمال الشرقي من الولايات المتحدة وعلى ساحلها الغربي. ولم يقع اتخاذ التضييقات الأولى للهجرة إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد وجهت خاصّة ضدّ الصينيين بداية من سنة 1882 واليابانيين سنة 1907. وكانت غايتها الأساسيّة تلافي النزاعات بين الأجناس في المدن الكبرى. وعلى كلّ فقد لعبت الهجرة دورا هامّا في ازدهار الولايات المتحدة بفضل ما وفره المهاجرون من يد عاملة ساهمة بصفة إيجابيّة في تقدّم البلاد من الناحية الاقتصاديّة.
2- احتلال الغرب الأمريكي :
بدأ التوسّع في غربي الولايات المتحدة منذ أواخر القرن الثامن عشر وكان الهدف من ذلك هو البحث عن الذهب والفضة. ولكن الاستيطان في تلك المناطق لغايات اقتصاديّة أصبح أكثر ضرورة بعد الحرب الأهليّة وقد ساعد عليه مدّ خطوط حديديّة عبر القارة الأمريكيّة فزالت بذلك ما يسمّى بالحدود الداخليّة وتطوّر عدد الولايات من 34 سنة 1861 إلى 48 ولاية سنة 1912.
وقد تحقّق هذا التوسّع في غربي الولايات المتحدة على حساب قبائل الهنود الحمر المستقرّة في تلك المناطق والتي هزمت الواحدة تلو الأخرى بعد معارك ضارية وطويلة. واضطرّ الباقون من هؤلاء الهنود الذين كان عددهم أقلّ من 300 ألف نسمة، إمّا للعيش في المدن الأمريكيّة والاندماج مع المهاجرين أو الاستقرار في مناطق خاصّة بهم من أهمّها منطقة أكلاهوما (Oklahoma) .
وحدثت من جهة أخرى نزاعات بين البيض أنفسهم لأنّ المهاجرين الأولين الذين وقعت تسميتهم برعاة البقر قد تعاطوا خاصّة تربية الماشية وكانوا بذلك في حركة دائمة وراء مواشيهم ممّا سبب لهم نزاعات مستمّرة مع المهاجرين المتأخّرين الذين اشتغلوا بالفلاحة وكان يسوؤهم مرور قطعان البقر فوق أراضيهم. واضطر مربو المواشي بعد سنة 1880 للاستقرار في ضيعات متسعة تدعى رانش (Ranch) .
3- الازدهار الاقتصادي :
برز أعظم تطوّر اقتصادي للولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين وساعد على تحقيق هذه النهضة الفريدة من نوعها في العالم عدّة عوامل من أهمّها :
- اتساع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
- أهميّة الثروة الباطنيّة للأرض.
- تطبيق التقنيات الحديثة في الاقتصاد الأمريكي.
- الهجرة واتساع إمكانيات الأسواق الداخليّة.
وقد شهدت الولايات المتحدة تطوّرا زراعيا كبيرا خاصّة في تربية المواشي بالمناطق الغربيّة من البلاد إذ ازداد عدد الأبقار من 17 مليون رأس إلى 47 مليون رأس. وأدّى استعمال الآلات الزراعيّة الحديثة وطرق الريّ المختلفة إلى اتساع المساحات المزروعة والزيادة في الإنتاج. ففي ظرف 20 سنة فقط تضاعف إنتاج القمح بنسبة % 150 وتطوّرت زراعة القطن في مناطق الجنوب حتّى أصبحت تساوي % 70 من الإنتاج العالمي. أمّا التقدّم الصناعي فقد فاق التقدّم الفلاحي إذ أصبحت منطقة الشمال الشرقي وكذلك منطقة الغرب الأمريكي أكبر مراكز الإنتاج المعدني في العالم. وأصبحت بذلك الولايات المتحدة أوّل منتج للحبوب والنحاس في العالم كما اكتشفت فيها حقول جديدة للنفط. وقدّ تنوّعت وتعدّدت الصناعات التحويليّة في مناطق كثيرة من البلاد وشملت حتّى مناطق الجنوب المعروفة بتقاليدها الزراعيّة.
الخاتمة :
لقد أصبحت الولايات المتحدة منذ أواخر القرن التاسع عشر أعظم قوّة اقتصاديّة في العالم، فسلكت منذ ذلك الوقت سياسة توسعيّة ترمي إلى بسط هيمنتها على القارة الأمريكيّة والتصدّي إلى كلّ محاولات التدخّل الأوروبي بها. ويرجع اختيار هذه السياسة إلى تأثير رجال الأعمال وأرباب الصناعة الذين كانوا يبحثون عن أسواق جديدة لترويج بضاعتهم وكذلك بعض رجال السياسة المناصرين لفكرة هيمنة الولايات المتحدة على القارة الأمريكيّة. ويعتبر تيودور روزفلت من أبرز هؤلاء السياسيين، فقد لخّص الطريقة السياسيّة التي كان يطالب بتطبيقها إزاء الدول الأمريكيّة بقوله : "يجب مخاطبتهم بلطف مع مسك عصا غليظة باليد".
الخاتمة :
لقد أصبحت الولايات المتحدة منذ أواخر القرن التاسع عشر أعظم قوّة اقتصاديّة في العالم، فسلكت منذ ذلك الوقت سياسة توسعيّة ترمي إلى بسط هيمنتها على القارة الأمريكيّة والتصدّي إلى كلّ محاولات التدخّل الأوروبي بها. ويرجع اختيار هذه السياسة إلى تأثير رجال الأعمال وأرباب الصناعة الذين كانوا يبحثون عن أسواق جديدة لترويج بضاعتهم وكذلك بعض رجال السياسة المناصرين لفكرة هيمنة الولايات المتحدة على القارة الأمريكيّة. ويعتبر تيودور روزفلت من أبرز هؤلاء السياسيين، فقد لخّص الطريقة السياسيّة التي كان يطالب بتطبيقها إزاء الدول الأمريكيّة بقوله : "يجب مخاطبتهم بلطف مع مسك عصا غليظة باليد".
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة