الحركة الوهابية - الدول الإسلامية أمام التحدي الأوروبي
الدول الإسلاميّة أمام التحدّي الأوروبي
الحركة الوهابيّة
تعرّضت الإمبراطوريّة العثمانيّة خلال القرن XIX إلى أزمات سياسيّة حادّة، خاصّة في الأطراف النائية من المشرق العربي.
فبالرغم من ضعف الشعور القومي وغموضه لدى مسلمي المشرق حيث أنّهم اعتبروا السلطان العثماني خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين. فقد ظهرت عدّة حركات انفصاليّة أبرزها الحركة الوهابيّة التي زعزعت نفوذ الدولة وأدّت في النهاية إلى بعث يقظة فكريّة وإلى تنمية الروح القوميّة والنزعة الانفصاليّة لدى مسلمي المشرق.
I - ظهور الحركة الوهابيّة :
ظهرت الحركة الوهابيّة في القرن XVIII على يد محمد بن عبد الوهاب كحركة إصلاح ديني حمل لواء نشرها محمد بن مسعود فأصبحت حركة دينيّة سياسيّة كان لها أكبر الأثر على العالم الإسلامي بصفة عامة والجزيرة العربيّة بصفة خاصّة.
1- مؤسّس الحركة :
أسّس هذه الحركة محمد بن عبد الوهاب الذي ولد في العينيّة بالجزيرة العربيّة سنة 1703 ونشأ في بيئة مغلقة وتتلمذ على والده الحنبلي المذهب ثم تنقّل طلبا للعلم والمعرفة في مختلف الأمصار الإسلاميّة.
تنقل بين المدينة والبصرة وأصفهان وبغداد فتأثّر بمدرسة الرأي في العراق وتمكّن من آراء ابن تيمية التي تعتبر امتدادا للمذهب الحنبلي فاكتسب ثقافة دينيّة واسعة شاملة وتأثّر بما كان يعانيه المجتمع الإسلامي من جمود فكري وتدهور اجتماعي وديني وسياسي.
عاد إلى موطنه وفي نفسه نقمة لما كان يعانيه المسلمون من ضعف وانحلال، لذا عقد العزم على القيام بحركة دينيّة إصلاحيّة تعيد للإسلام صفاءه وللمسلمين مجدهم وعزتهم.
2- مبادئ الحركة :
استمدّ محمد بن عبد الوهاب أصول دعوته من المذهب الحنبلي ومن آراء ابن تيمية التي أوحت إليه بالاجتهاد والدعوى إلى الإصلاح والتجديد، ومن هنا فقد اعتمدت دعوته على :
أ- مبدأ التوحيد في العقيدة :
فلا توسّل إلاّ لله وحده لا شريك له، لذا حرّم زيارة القبور وأضرحة الأولياء الصالحين، ودعا إلى هدم البدع والخرافات بكلّ الوسائل ولو أدّى ذلك إلى استعمال القوّة والعنف.
ب- مبدأ التوحيد في التشريع :
فلا مصدر للتشريع إلاّ الكتاب والسنّة، فعلى المسلمين أن يستمدوا تشريعاتهم من هذين المنبعين الأساسيين معتمدين في ذلك على مبدأ الاجتهاد.
فكانت دعوته إذن دعوة إلى إصلاح العقيدة الإسلاميّة والاهتداء بالقرآن والسنة النبويّة، دعوة إلى العودة بالإسلام إلى نقائه وبساطته الأولى، دعوة إلى نبذ البدع والتوجّه إلى الله وحده لا إلى الأولياء والصالحين والأضرحة...
وعلى هذا الأساس فقط يمكّن للأمّة الإسلاميّة إعادة مجدها وقوّتها، لذا أصبح من المتحتّم نشر هذه الدعوة في العالم الإسلامي سواء أكان ذلك عن طريق اللين والإقناع أم عن طريق العنف والقوة.
3- انتشار الحركة :
انتشرت الحركة الوهابيّة في الجزيرة العربيّة نظرا للوضع السياسي والاجتماعي السائد بها، ووجدت في آل سعود خير سند لها فتحوّلت إلى حركة دينيّة سياسيّة.
أ- الوضع في الجزيرة العربيّة :
ساد الجزيرة العربيّة إثر ظهور الحركة الوهابيّة تدهوّر اجتماعي وسياسي تمثّل في التشتّت القبلي والعداء المستحكم بين البدو والحضر، وتخلّف فكري، واختلال في الأمن، ذلك أن سلطة الخليفة العثماني في الاستانة على الجزيرة العربيّة لا تكاد تكون سوى سلطة اسميّة تتمثّل في تعيين الأمراء المحليين الذين استقلوا عمليّا عن الإمبراطوريّة العثمانيّة.
فتمتعت الجزيرة العربيّة بنوع من الاستقلال تحت حكم الأمراء المحليين الذين كانوا ينظرون إلى الأتراك نظرة ريبة وحذر.
ففي هذه المنطقة النائية عن الاستانة وفي هذا الوضع الاجتماعي والسياسي ظهرت الحركة الوهابيّة.
ب- انتشار الدعوة :
كان للدعوة الوهابيّة الصدى العميق في الجزيرة العربيّة عامّة وفي نجد خاصّة، فقد وقف منها سكان الجزيرة موقفا متناقضا فمنهم من ساندها ومنهم من عارضها وقاومها لعدم إدراك فحواها وأهدافها، ممّا دفع بمحمد بن عبد الوهاب إلى الفرار إلى الدرعيّة مقرّ أمراء آل سعود، فوجد من محمد بن سعود – الذي تزوج من ابنته – خير سند لدعوته، فتعهّد بالدفاع عنها ونشرها بقوّة السيف. فأصبح آل سعود إمام المسلمين سنة 1744 ودخلت بذلك الدعوة في مرحلة خطيرة اجتمع فيها الجانب الديني مع الجانب السياسي.
قام محمد بن سعود ببسط سيطرته على نجد ونشر الدعوة فيها وبعد وفاته تولّى ابنه عبد العزيز (1765-1803) فازدادت الدعوة انتشارا وتخطّت حدود نجد إلى الاحساء والقطيف والخليج وأطراف العراق، فتمّ اقتحام مدينة كربلاء ووقع نهب وهدم مشهد الحسين بن علي، فأثار ذلك نقمة الشيعة فقاموا باغتيال الأمير عبد العزيز سنة 1803.
وتولّى سعود II فواصل خطّة أبيه في التوسّع ونشر الدعوة فاستولى على مكة فالمدينة سنة 1804 وحاول التوسّع في بلاد الشام.
وهكذا امتدت إمارة السعوديين الوهابيّة من شواطئ الفرات إلى حدود عمان والخليج العربي وإلى أطراف الحجاز وبلاد اليمن، فأصبحت هذه الحركة المسيطرة على طريق الحجّ والأماكن المقدّسة الإسلاميّة تهدّد بصفة جدّيّة الإمبراطوريّة العثمانيّة.
فبالرغم من ضعف الشعور القومي وغموضه لدى مسلمي المشرق حيث أنّهم اعتبروا السلطان العثماني خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين. فقد ظهرت عدّة حركات انفصاليّة أبرزها الحركة الوهابيّة التي زعزعت نفوذ الدولة وأدّت في النهاية إلى بعث يقظة فكريّة وإلى تنمية الروح القوميّة والنزعة الانفصاليّة لدى مسلمي المشرق.
I - ظهور الحركة الوهابيّة :
ظهرت الحركة الوهابيّة في القرن XVIII على يد محمد بن عبد الوهاب كحركة إصلاح ديني حمل لواء نشرها محمد بن مسعود فأصبحت حركة دينيّة سياسيّة كان لها أكبر الأثر على العالم الإسلامي بصفة عامة والجزيرة العربيّة بصفة خاصّة.
1- مؤسّس الحركة :
أسّس هذه الحركة محمد بن عبد الوهاب الذي ولد في العينيّة بالجزيرة العربيّة سنة 1703 ونشأ في بيئة مغلقة وتتلمذ على والده الحنبلي المذهب ثم تنقّل طلبا للعلم والمعرفة في مختلف الأمصار الإسلاميّة.
تنقل بين المدينة والبصرة وأصفهان وبغداد فتأثّر بمدرسة الرأي في العراق وتمكّن من آراء ابن تيمية التي تعتبر امتدادا للمذهب الحنبلي فاكتسب ثقافة دينيّة واسعة شاملة وتأثّر بما كان يعانيه المجتمع الإسلامي من جمود فكري وتدهور اجتماعي وديني وسياسي.
عاد إلى موطنه وفي نفسه نقمة لما كان يعانيه المسلمون من ضعف وانحلال، لذا عقد العزم على القيام بحركة دينيّة إصلاحيّة تعيد للإسلام صفاءه وللمسلمين مجدهم وعزتهم.
2- مبادئ الحركة :
استمدّ محمد بن عبد الوهاب أصول دعوته من المذهب الحنبلي ومن آراء ابن تيمية التي أوحت إليه بالاجتهاد والدعوى إلى الإصلاح والتجديد، ومن هنا فقد اعتمدت دعوته على :
أ- مبدأ التوحيد في العقيدة :
فلا توسّل إلاّ لله وحده لا شريك له، لذا حرّم زيارة القبور وأضرحة الأولياء الصالحين، ودعا إلى هدم البدع والخرافات بكلّ الوسائل ولو أدّى ذلك إلى استعمال القوّة والعنف.
ب- مبدأ التوحيد في التشريع :
فلا مصدر للتشريع إلاّ الكتاب والسنّة، فعلى المسلمين أن يستمدوا تشريعاتهم من هذين المنبعين الأساسيين معتمدين في ذلك على مبدأ الاجتهاد.
فكانت دعوته إذن دعوة إلى إصلاح العقيدة الإسلاميّة والاهتداء بالقرآن والسنة النبويّة، دعوة إلى العودة بالإسلام إلى نقائه وبساطته الأولى، دعوة إلى نبذ البدع والتوجّه إلى الله وحده لا إلى الأولياء والصالحين والأضرحة...
وعلى هذا الأساس فقط يمكّن للأمّة الإسلاميّة إعادة مجدها وقوّتها، لذا أصبح من المتحتّم نشر هذه الدعوة في العالم الإسلامي سواء أكان ذلك عن طريق اللين والإقناع أم عن طريق العنف والقوة.
3- انتشار الحركة :
انتشرت الحركة الوهابيّة في الجزيرة العربيّة نظرا للوضع السياسي والاجتماعي السائد بها، ووجدت في آل سعود خير سند لها فتحوّلت إلى حركة دينيّة سياسيّة.
أ- الوضع في الجزيرة العربيّة :
ساد الجزيرة العربيّة إثر ظهور الحركة الوهابيّة تدهوّر اجتماعي وسياسي تمثّل في التشتّت القبلي والعداء المستحكم بين البدو والحضر، وتخلّف فكري، واختلال في الأمن، ذلك أن سلطة الخليفة العثماني في الاستانة على الجزيرة العربيّة لا تكاد تكون سوى سلطة اسميّة تتمثّل في تعيين الأمراء المحليين الذين استقلوا عمليّا عن الإمبراطوريّة العثمانيّة.
فتمتعت الجزيرة العربيّة بنوع من الاستقلال تحت حكم الأمراء المحليين الذين كانوا ينظرون إلى الأتراك نظرة ريبة وحذر.
ففي هذه المنطقة النائية عن الاستانة وفي هذا الوضع الاجتماعي والسياسي ظهرت الحركة الوهابيّة.
ب- انتشار الدعوة :
كان للدعوة الوهابيّة الصدى العميق في الجزيرة العربيّة عامّة وفي نجد خاصّة، فقد وقف منها سكان الجزيرة موقفا متناقضا فمنهم من ساندها ومنهم من عارضها وقاومها لعدم إدراك فحواها وأهدافها، ممّا دفع بمحمد بن عبد الوهاب إلى الفرار إلى الدرعيّة مقرّ أمراء آل سعود، فوجد من محمد بن سعود – الذي تزوج من ابنته – خير سند لدعوته، فتعهّد بالدفاع عنها ونشرها بقوّة السيف. فأصبح آل سعود إمام المسلمين سنة 1744 ودخلت بذلك الدعوة في مرحلة خطيرة اجتمع فيها الجانب الديني مع الجانب السياسي.
قام محمد بن سعود ببسط سيطرته على نجد ونشر الدعوة فيها وبعد وفاته تولّى ابنه عبد العزيز (1765-1803) فازدادت الدعوة انتشارا وتخطّت حدود نجد إلى الاحساء والقطيف والخليج وأطراف العراق، فتمّ اقتحام مدينة كربلاء ووقع نهب وهدم مشهد الحسين بن علي، فأثار ذلك نقمة الشيعة فقاموا باغتيال الأمير عبد العزيز سنة 1803.
وتولّى سعود II فواصل خطّة أبيه في التوسّع ونشر الدعوة فاستولى على مكة فالمدينة سنة 1804 وحاول التوسّع في بلاد الشام.
وهكذا امتدت إمارة السعوديين الوهابيّة من شواطئ الفرات إلى حدود عمان والخليج العربي وإلى أطراف الحجاز وبلاد اليمن، فأصبحت هذه الحركة المسيطرة على طريق الحجّ والأماكن المقدّسة الإسلاميّة تهدّد بصفة جدّيّة الإمبراطوريّة العثمانيّة.
II- ردود الفعل وأثر الحركة الوهابيّة :
اختلفت ردود فعل المسلمين من الحركة الوهابيّة باختلاف موقف الدول والشعوب فقد وقفت السلطنة العثمانيّة منها موقفا عدائيا لأنّها تهدّد مصالحها الحيويّة في المنطقة. أمّا عامّة المسلمين فقد وقفوا منها مواقف متضاربة فمنهم من قبلها وساندها ومنهم من عارضها وقاومها.
واستطاعت الخلافة العثمانيّة القضاء على الوهابيين بمساعدة محمد علي والي مصر، إلا أن دعوتهم أحدثت يقظة فكرية وأصبحت المنبع الذي استمدت منه جميع الحركات الإصلاحية أصولها في العصر الحديث.
1- موقف السلطنة العثمانيّة :
أدركت السلطنة العثمانيّة خطورة هذه الحركة خاصّة بغد خروج الحجاز عن حوزتها باعتباره مركز الحرمين الشريفين اللذين يمثّلان قبلة المسلمين، لذا عقدت العزم على القضاء على هذه الإمارة العربيّة الإسلاميّة الوهابيّة وقد تمّ ذلك على مرحلتين :
أ- المرحلة الأولى :
عهد السلطان العثماني في بداية الأمر إلى والي العراق بمطاردة الوهابيين والقضاء على حركتهم في مقرّها بالدرعيّة إلاّ أنّ غزوات سليمان باشا والي بغداد باءت بالفشل، بل أنّ الوهابيين تمكّنوا أكثر من مرّة من التوغّل في العراق.
وبذل يوسف باشا والي دمشق جهودا عظيمة لصدّ غارات الوهابيين فنجح في ذلك إلاّ أنّ نفوذ الوهابيين ظلّ قويّا في الجزيرة العربيّة يهدّد باستمرار وبصفة جديّة الإمبراطوريّة العثمانيّة.
ب- المرحلة الثانية :
اشتد عزم السلطان العثماني بعد هذا الفشل الذريع على القضاء النهائي على الحركة الوهابيّة وتحرير الحرمين الشريفين من نفوذها بعدما أصيبت هيبة الدولة في الصميم إثر فشل ولاّته في العراق والشام. لذا اضطرّ السلطان إلى تكليف محمد علي والي مصر رغم ميوله وأطماعه التوسعية بتجهيز حملة عسكرية لإعادة المدينتين المقدستين مكة والمدينة إلى حوزة السلطان خليفة المسلمين.
أرسل محمد علي ابنه "طوسون" مع ثمانية آلاف جندي فاستطاع فتح الحجاز واحتلال الأماكن المقدّسة، إلاّ أنّ الوهابيين تمكّنوا إثر ذلك من صدّه شرقي مكّة فقرّر محمد علي تجهيز حملة عسكريّة قويّة قادها بنفسه فانتصر على الوهابيين. وواصل ابنه إبراهيم باشا انتصاراته ففتح الدرعيّة في سبتمبر1818 واعتقل الأمير عبد الله بن سعود وأرسله إلى الاستانة حيث لقي حتفه هناك. وقام محمد علي بتعيين ابن أخته أحمد باشا محافظا لمدينة مكة وحاكما على الحجاز، فأعاد من جديد الأماكن المقدسة الإسلامية إلى حظيرة الإمبراطوريّة العثمانيّة.
وهكذا انتهت حروب الوهابيين على هذا النحو وقضى على أوّل دولة عربيّة إسلاميّة وهابيّة في الحجاز. ولكن جذوة هذه الدعوة لم تنطفء بل ظلّت نابضة حيّة في قلوب الكثير من العرب والمسلمين خاصّة أولائك الذين آمنوا بها وأدركوا معانيها السامية وأهدافها البعيدة.
2- موقف المسلمين من الدعوة :
كان للدعوة الوهابيّة صدى عميق في نجد والجزيرة العربيّة خاصة والعالم الإسلامي عامّة، ووقف منها المسلمون موقف حيرة وتردّد فمنهم من آمن بها واعتنق مبادئها وساندها بقوة السلاح، ومنهم من عارضها وأنكرها واعتبرها انحرافا عن الإسلام. ويمثل هؤلاء أغلبيّة المسلمين الذين لم يدركوا فحواها وأهدافها الحقيقيّة نظرا للجمود الفكري الذي كان عليه المسلمون.
وممّا زاد في نقمة المسلمين ومعارضتهم لهذه الدعوة ما يلي :
أ- الدعاية المحكمة التي حيكت ضدّها من طرف أعدائها خاصّة الدولة العثمانيّة والسلط الحاكمة في البلاد الإسلاميّة من جهة وتعلّق المسلمين بالسلطان العثماني باعتباره خليفة للمسلمين، ذلك أنّ النزعة الإسلاميّة كانت أقوى بكثير من النزعة القوميّة.
ب- استعمال الحركة الوهابيّة القوّة والعنف لتنفيذ أهدافها ومراميها دون أن تترك للمسلمين حريّة التأمّل والاختيار.
ج- تخريب الوهابيين للمعالم الإسلاميّة، فقد قاموا بتهديم قباب مكة، كقبّة السيدة خديجة وقبّة مولد الرسول الأعظم وقبّة مولد أبي بكر كما قاموا بنهب المعالم الشيعيّة في كربلاء. كلّ ذلك حزّ في نفوس المسلمين وزاد في نقمتهم على الدعوة الوهابيّة رغم سموّ مبادئها وأبعاد أهدافها.
3- أثر الحركة الوهابيّة :
لقد استطاع محمد علي القضاء على السعوديين وتشتيت ملكهم إلاّ أنّه لم يستطع القضاء على الدعوة الوهابيّة كحركة دينيّة سلفيّة.
فقد بقيت هذه الدعوة كامنة في النفوس تدارسها رجال الفكر داخل الجزيرة العربيّة وخارجها فتولّد عن ذلك يقظة فكريّة كان المسلمون في أشدّ الحاجة إليها، حركت السواكن وأدّت إلى انبعاث الدولة السعوديّة من جديد وقيام ممالك وهابيّة وحركات إصلاحيّة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
أ- اليقظة الفكريّة :
ظلّت الدعوة الوهابيّة كامنة في النفوس نابضة بالحياة. فقد أحدثت صدى عميقا في نفوس المسلمين رغم ما منيت به من عراقيل، ممّا دفع بالكثير من رجال الفكر والدين إلى التعمّق في دراستها فعقدت مجالس العلم للمناظرة والمناقشة في أصولها ومبادئها وأهدافها، ممّا أحدث في الجزيرة العربيّة والعالم الإسلامي نوعا من اليقظة الفكريّة والوعي القومي فكانت منبع حركات الإصلاح الديني التي ظهرت في أواخر القرن XIX كحركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده... وكانت فاتحة الحركات القوميّة في العالم العربي في العصور الحديثة.
ب- الممالك الوهابيّة :
أثبتت الدعوة الوهابيّة صلابة عودها وقدرتها على مواجهة الأحداث لذا كانت المحور الأساسي والعمود الفقري لانبعاث عديد الممالك الوهابيّة، من ذلك :
- استطاع السعوديون بعد زوال نفوذ محمد علي من الجزيرة العربيّة إعادة بعث دولتهم الوهابيّة سنة1840 حتى إذا قام عبد العزيز آل سعود بتأسيس المملكة العربيّة السعوديّة في أوائل القرنXX سنة1906 كان الوهابيون أبرز أنصاره وكانت الدعوة الوهابيّة عماد دولته وأساسا قويّا صلبا قامت عليه أول دولة عربية مستقلة في الجزيرة العربيّة.
- وفي الهند أسس السيد أحمد الذي قام بأداء فريضة الحج سنة 1822 دولة وهابية في البنجاب أزعجت بريطانيا التي وجدت صعوبة كبيرة لتحديد نفوذها وإخضاعها.
- وفي ليبيا ظهر محمد بن علي السنوسي الذي تأثر بالحركة الوهابيّة عن طريق الحجّ فأسّس في بلاده الطريقة السنوسيّة التي كانت أساسا لقيام المملكة الليبيّة.
- وفي زنجبار ظهرت طائفة من الوهابيين تدعو إلى ترك البدع وعدم التقرّب إلى الأولياء والصالحين، كما ظهرت في اليمن حركة وهابيّة تزعمها الإمام الشوكاني. وهكذا لم يقتصر تأثير الدعوة الوهابيّة على سكان الجزيرة العربيّة فحسب بل تجاوزها إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي وساعدها على ذلك موسم الحج الذي كان ميدانا صالحا لنشر الدعوة بين المسلمين الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم.
الخاتمة :
ظهرت الحركة الوهابيّة في القرنXVIII كحركة إصلاحيّة دينيّة بل تحوّلت إلى حركة سياسيّة بقيام أوّل مملكة عربيّة سعوديّة. ورغم المعارضة الشديدة التي وجدتها فقد ظلّ تأثيرها قويّا بفضل موسم الحج، ممّا أدّى إلى انتشارها فكانت أساس جلّ الحركات الإصلاحيّة التي ظهرت في أواخر القرن XIX.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة