أشهر العلماء في التاريخ - ابن سينا - القانون في الطبّ
ابن سينا
القانون في الطبّ
ولكن "ابن سينا" بعد كل هذه الرحلات والأسفار، قرر أن يتفرغ لتأليف عدة رسائل ومؤلفات، فعاد إلى "همدان"، ونزل في بلاط "شمس الدولة" أمير همدان، وظل عنده ست سنوات تمكن خلالها من إتمام أعظم وأهم مؤلفاته على الإطلاق، ونعني كتابيه العظيمين: "القانون" و"الشفاء".
أما كتاب "القانون"فهو باعتراف سائر علماء الشرق والغرب من أعظم كتب الطب في التاريخ العلمي، وقد وضعه "ابن سينا" على طريقة أطباء اليونان، واتبع فيه نفس النهج الّذي ينتهجونه في علاجهم للأمراض، لكنه زاد عليه خبرته، وتجاربه، ومعارفه الّتي جمعها خلال رحلاته وأسفاره، كما أضاف إليه وجهة نظره الخاصة في العلاقة بين النفس والبدن، وأشار إلى ضرورة علاج النفس وعللها قبل علاج البدن وأمراضه، فكان بذلك من أعظم الرواد الّذين تقدموا بعلم الطب.
ولقد ظلّ كتاب "القانون" هو المرجع الأساسي لجميع أطباء العالم حتى القرن السابع عشر الميلادي، وقد ترجم "القانون" إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر، وطبع في روما عام 1593م، وظلت جامعات أوروبا تدرسه لعدة قرون نظرا لما يحتويه هذا الكتاب العظيم من المعارف الطبية، والصيدلية، والمرضية البدنية والنفسية. ولعل الاهتمام الّذي حظي به هذا الكتاب العظيم من الدلائل المهمة على عظمة وعبقرية "ابن سينا" العلمية.
يقول "ابن سينا" في مقدمة كتاب "القانون":
- "أردت أن أصنّف في الطب كتابا مشتملا على قوانينه الكلية والجزئية، اشتمالا يجمع إلى الشرح والاختصار، وإلى الإيفاء الأكثر حقه من البيان والإيجاز".
وعلى الرغم من ذلك عمد "ابن سينا" إلى تقسيم كتابه إلى خمسة أقسام، هي: الأمور الكلية في علم الطبّ، والأدوية، والأمراض الجزئية الّتي تصيب أعضاء البدن، والأمراض الجزئية غير المختصة بعضو معين من الأعضاء، وتركيب الأدوية.
وقد قام "ابن سينا" بترتيب الأدوية وتصنيفها أبجديا على حروف المعجم العربي، كما صنف الأمراض وذكر أسماء الكثير منها، وأردف ذلك بذكر كيفية علاجاتها ومنها أمراض: القلب، والصدر، والأحشاء، والعين، والأذن، والجمجمة، والكسور، والغدد.
ولم يقتصر "ابن سينا" في ذكره للأمراض على الأمراض السالفة الذكر، إنما قد أضاف إليها أيضا الأمراض الموسمية والأمراض المعدية، والأمراض الناجمة عن تلوث الماء والهواء، وتحدث تفصيلا عن هذه الأمراض، إضافة إلى الأمراض الوراثية، والأمراض ذات الأسباب النفسية المنشأ.
وقد أسهب "ابن سينا" في الحديث عن تركيب الأدوية، وذكر منافعها، ومضارها، وحدد كيفية التوصل إلى تركيبها بأبسط وأدق الوسائل، كما حدد لكل مريض من الأمراض الّتي ذكرها عددا من العلاجات والأدوية الناجعة، وقد سبق أن قلنا: إن "ابن سينا" قد اتبع في ترتيب وتقسيم كتابه منهج قدماء أطباء اليونان وأكثرهم شهرة وعظمة مثل: جالينوس، وأبقراط، ودسقوريدس، لكنه لم يقف عند حدود ما ذكره هؤلاء الأطباء العظام من الأمراض والأدوية، بل أضاف الكثير من معارفه، وخبراته، لهذا جاء كتاب "القانون" موسوعة طبية شاملة تدل على عبقرية في التأليف والتصنيف العلمي.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة