أينشتاين وأسرار الكون - ألبرت أينشتاين - أشهر العلماء في التاريخ
ألبرت أينشتاين
أينشتاين وأسرار الكون
وكان الإنسان قديما هو مركز الكون، كما كانت الأرض هي مركز الكون أيضا، حتى عندما اكتشف العلماء خطأ نظرية مركزية الأرض، فقد ظل العلماء جميعا ومن خلفهم جميع الناس يعتقدون أن الإنسان هو مركز هذا الكون، ولذلك كانوا يعتقدون أن الظواهر الكونية تجري وفقا لأقدار معينة غايتها النهائية هي توجيه مسار الحياة على الأرض عموما، والحياة البشرية خصوصا.
أما بعد ظهور "أينشتاين" فقد تغيرات المفاهيم العلمية السائدة، وانقلبت رؤية العلماء للكون رأسا على عقب، فلم يعد من الممكن التمسك بالتصور السابق عن الكون المتناهي، المحدود، وقد نظر العلماء إلى الكون بعد ذلك في ضوء نظرية النسبية لأينتشين، فظهرت نظرية "الكون المتموج" ثم نظرية "الكون المتمدد".
نظرية الكون المتذبذب
تعتبر نظرية الكون المتموج أو المتذبذب من الثمار العالمية المترتبة على أفكار "أينشتاين"، وخاصة نظرته إلى المادة، لقد كانت المادة قبل "أينشتاين" جامدة صلبة، ولكن بعد ظهور النسبية وتطور الفيزياء أصبح العلماء ينظرون إلى المادة على أنها طاقة، وإلى الطاقة على أنها موجات لها ذبذبات، وبما ان الكون كله يتألف من المادة، فإن الكون كله يتموج ويتذبذب، ويتحرّك حركة لا نهائية.
نظرية الكون المتمدد
أما نظرية "الكون المتمدد" فهي نظرية علمية حديثة من النظريات الثورية المهمة، ولقد ظهرت هذه النظرية بعد "أينشتاين" متأثرة بنظرية النسبية، وقد هدمت نظرية الكون المتمدد تصوّرنا القديم عن الكون المتناهي المحدود، واستبدلت بهذا التصور فكرة الكون الدائم الإتساع والتمدد المتحدد، وهكذا حلّ تصور الكون اللانهائي محل الكون المتناهي.فمادامت المادة في أصلها طاقة، والطاقة هي الموجات المتذبذبة المتحركة حركة لا نهائية، فلا بد أن يتسع الكون وأن يتمدّد، وأن يتّجه هذا التمدد إلى خارج جميع المجرات، أي أنه يجب على المجرات أن تبتعد عن بعضها البعض بسرعات هائلة، وقد أثبت العلم صحّة هذه النظرية وصدقها بالمراصد والأجهزة العلمية.
والمعنى الّذي يتضمّنه الصدق العلمي لهذه النظريات هو: أن الكون يتحرك، ويتغير، وأنه لا يخضع لمفاهيم الثبات المطلق، أو المكان المطلق، فالكون اللانهائي هو كوننا الّذي نعيش فيه، أما الكون المحدود المتناهي فلا وجود له إلا في أوهام من يتصورون أو يريدون أن يعمل كل شيء في الكون لخدمتهم وتحقيق مصالحهم الحياتية، وكانت المادة الكونية (تعقل) وتتصرف وفقا لإرادة تحرّكها.
هكذا حرّرت "النسبية" رؤيتنا للكون من الخرافات والأوهام الّتي استمرّ الإعتقاد بها طوال القرون السابقة، وفتحت الباب أمام العلم لكي يكشف ألغاز الكون وغوامضه وأسراره، ولولا هذه النظرية لظلّت أفكارنا القديمة تقف حائلا دوننا ودون إكتشاف حقائق الكون العلمية، وأهم هذه الحقائق أن مجموعاتنا الشمسية ليست هي مركز الكون، إنما هي فقط مركز مجموعتنا الشمسية، وأن هذه المجموعة تشغل مكانا هامشيا على ذراع المجرة بأسرها، ثم إكتشفنا بعد ذلك أن مجرّتنا "درب التبانة" ليست هي المجرّة الوحيدة في هذا الكون، ففي الكون ألف مجرّة، وفي كل مجرّة ألف مليون نجم (على الأقل).
والأعجب من ذلك أننا قد اكتشفنا أيضا أن كل هذا الحجم الهائل للمادة الكونية، الّذي تتكوّن فيه المجرات، لا يمثّل سوى 10% من حجم المادة المفترضة للكون، وأن هناك 90% من المادة لا نراها في الكون، ويطلق العلماء على هذه المادة غير المرئية إسم "المادة القاتمة".
كما اكتشف العلماء أيضا أن كل المجرات المحيطة بنا تبتعد عنا او ترتد بسرعات متفاوتة تبلغ آلاف الكيلومترات في الثانية الواحدة، وأنه وفقا لأبعد مجرّة عنا يكون أفق الكون المنظور واقعا على بعد 20 ألف مليون سنة ضوئية.
مع العلم بأن التلسيكوبات البصرية الحديثة لا تتمكّن من الرؤية والرصد الفلكي إلا إلى ألفي مليون سنة ضوئية فقط، أما التليسكوبات الرديوية فيمكنها الرصد حتى 17 ألف مليون سنة ضوئية. ومن خلال هذه التليسكوبات والأجهزة العلمية الحديثة أثبت علماء الفلك أن أقرب مجرّة لنا هي مجرّة "المرأة المسلسلة" وأن هذه المجرّة تضم حوالي ألف مليون نجم، كما أنها تقترب منا بسرعة كليو متر في الثانية، ومعنى ذلك أنها سوف تندمج مع مجرّتنا في المستقبل، وقد أثبت العلماء صحّة قوانين الجاذبية الّتي طوّرها "أينشتاين" وأدمجها في نظرية "النسبية" عندما تمكنوا من رصد حركة دوران المجموعة الشمسية كلها حول مركز المجرّة بسرعة كيلو متر في الثانية، وقد أثبت العلماء أيضا أن مجموعتنا الشمسية تندفع في فضاء المجرّة في الوقت نفسه بسرعة 19.50 كيلو متر في الثانية نحو كوكب "الجاثي" أو "هرقل" حيث منطقة الجذب الشديدة. وهذا الإكتشاف الأخير يثبت صحّة نظرية "نيوتن" في الجاذبية، وصحّة نظرية "أينشتاين" في النسبية معا وفي وقت واحد.
ومع مواصلة الأبحاث والرصودات الفلكية تمكن العلماء من تحديد عمر الكون، وقد توصلوا إلى تحديد زمن نشأة الكون من خلال دراستهم للخلفية الإشعاعية للكون. وقد أكّدت دراسات العلماء لهذه الخلفية الإشعاعية أن الكون قد نشأ منذ حوالي 20 ألف مليون سنة، كما تمكّنوا من معرفة عمر الأرض، وحددوده بحوالي 4550 مليون سنة، أي نصف عمر المجرة تقريبا، وبعد 50 مليون سنة من تكوّن الشمس، وعلى ذلك يكون عمر الشمس حوالي 4600 مليون سنة، أما عمر مجرّة "درب التبانة" فهو حوالي 8 آلاف مليون سنة.
كل هذه الأفكار العلمية المدهشة والإكتشافات الحديثة المتعلقة بالكون ونشأته وتكوينه والقوانين المتحكمة فيه لم يكن من الممكن معرفتها قبل "أينشتاين". لأن معارفنا وأفكارنا القديمة عن الكون كانت تقف حائلا بيننا وبين معرفة الحقائق العلمية السائدة الآن، وبالطبع كان الفضل الأعظم في تدمير نسق العقائد الخرافية عن الكون يرجع إلى "أينشتاين" ونظريته العبقرية "النسبية".
إن المقارنة بين تصورنا المعاصر للكون، وتصوّرنا القديم له، سوف تفتح أعيننا بلا شك على الفضل العظيم لأنشتين، ويكفي أن كل المفاهيم الحديثة السائدة الآن في الريضيات أو الفيزياء هي نفسها المفاهيم الّتي تضمّنتها نظرية "النسبية" لأينشتاين.
ولا أظن أننا نبالغ إذا قلنا: إنه سوف تنقضي عدّة قرون قبل أن تظهر عبقرية أخرى يمكنها أن تطوى صفحة "أينشتاين" أو على الأقل تحسر عنها الضوء، ولكي تنقلب المفاهيم الحديثة من جديد رأسا على عقب فستكون بحاجة إلى "أينشتاين" جديد، أي أن أعظم العبقريات الّتي ستظهر بعد ذلك – وستؤثر في مسار وتاريخ العلم، مهما ارتفعت قامتها فإنها ستظل أقصر من قامة "أينشتاين".
شكرا
ردحذف