أشهر العلماء في التاريخ - الخوارزمي
الخوارزمي
ولد "محمد بن موسى الخوارزمي" في الجرجانية، في بلاد التركستان سنة 780 ميلادية، لكنه لم يشب وينشأ في وطنه الأم، بل نشأ في قرية بالقرب من "بغداد" بالعراق، إسمها "قطربل"، حيث هاجر أهله إليها. فقد قرّر جده بعد إسلامه أن يرحل بأسرته عن الجرجانية في خوارزم، فباع كل ما يملكه ورحل إلى "قطربل" قرب بغداد حيث اشترى بكل ما يملك من المال أرضا واسعة، بنى فيها بيتا كبيرا وحظائر للخيل والماشية.
وفي "قطربل" نشأ "الخوارزمي" وعاش طفولته الأولى وهو يساعد والده في أعمال الزراعة.
شبّ "الخوارزمي" وهو يعرف لغة أهله، وكانوا يتحدثون بلغتين، مثل سائر أهل الخوارزم، هما: التركية والفارسية، تعلمهما عن والدته، ولكنه تعلم أيضا اللغة العربية في مسجد قرية "قطربل"، إضافة إلى تعلمه مبادئ القراءة والكتابة والحساب. وهكذا كانت النشأة الأولى للخوارزمي بين المزارع والحقول، في أحضان الطبيعة، فلم يكن يشغل ذهن الخوارزمي في طفولته الأولى سوى الزراعة وسباق الخيل، والتأمل في الطبيعة. وعندما بلغ "الخوارزمي" من العمر عشرين سنة، بدأت ميوله تتغير، فقد لمس في نفسه ذلك العشق الجارف الّذي بدأ يتفجر منذ أعوام قليلة لتقدير المسافات بين الأشياء، وقد تحدث "الخوارزمي" إلى أهله عما يشغل عقله من أمور هندسية لا تشغل بال أقرانه ومن هم في مثل سنه، فهو دائم التفكير في اشكال الأشياء، وفي العلاقات بين الاشكال والكتل، وفي الخطوط الوهمية الّتي يتصورها بين الاشياء، كان كل شيء في نظره يتحول إلى دائرة أو إلى مربع أو إلى مثلث أو مستطيل.
عندما تحدث "الخوارزمي" إلى إمام مسجد "قطربل" في هذا الصدد، تنبأ له إمام المسجد بأنه سيكون من أعظم العلماء في الرياضة، ونصحه بأن يترك العمل في الزراعة وأن يرحل إلى بغداد ليطب العلم بها في "بيت الحكمة"، وقد وعده الإمام ان يبذل جهده لإقناع والده للموافقة على إرساله إلى بغداد لكي يلتحق ببيت الحكمة، ويتفرغ لطلب العلم على أيدي أحد العلماء هناك ليحقق بذلك أحلامه ويشبع رغباته وميوله في طلب العلم.
وسافر "الخوارزمي" إلى بغداد، وظل هناك يتلقى العلم في "بيت الحكمة" على يد ثلاثة من العلماء، وقضى "الخوارزمي" عامين في دراسة الرياضيات، نال بعدها الإجازة العلمية، وشهد له أساتذته بالتفوق والنبوغ والإمتياز، فقد تمكن خلال تلك الفترة من الإحاطة بكل معارف القدماء وأهل العصر في الرياضيات.
وكان "الخوارزمي" قد تزوج أيضا قبل حصوله على الإجازة العلمية، وأنجب إبنه الأول فأسماه بإسم "جعفر"، وهكذا حصل "الخوارزمي" على كنية: "أبو جعفر" إلى جانب لقب: "الخوارزمي".
ولم يمض وقت طويل حتى كان الخليفة "هارون الرشيد" يسمع بإسم "الخوارزمي" من بعض علماء مجلسه، وعندئذ طلب "الرشيد" مقابلة "الخوارزمي"، فما التقى به وجده عالما فذا في الرياضيات، فأشاد بمعرفته وعلمه، وعيّنه في مكتبة "بيت الحكمة" ضمن علماء الرياضيات، وقد فرح "الخوارزمي" بهذا المنصب فرحا شديدا، لأنه سيتيح له مواصلة طلب العلم والإطلاع على سائر الكتب الموجودة في مكتبة "دار الحكمة" وهي من أعظم وأهم الكتب في سائر العلوم والمعارف.
ولقد كان "الخوارزمي" على معرفة بمدى حب الخليفة "هارون الرشيد" للعلم والعلماء. فالرشيد هو الّذي أنشأ "دار الحكمة" وضم إليها العلماء، وجمع لها الكتب من شتى بقاع الارض، وأنفق في سبيل ذلك الكثير من المال، وقد بلغ من حب الرشيد للعلم والمعرفة أنه رفض أن يطلق أسرى الدولة الرومانية البيزنطية بعد إنتصاره عليها في آسيا الصغرى مقابل الكثير من المال، وكان عدد الأسرى بالآلاف، لكنه طلب من الإمبراطور البيزنطي أن يفتدى أسراه بما لديه من كتب في خزانة كتبه اليونانية العامرة، وعندما وافق الإمبراطور على طلب الرشيد، ذهب العلماء العرب إلى مكتبة الإمبراطور، وظلّوا ينسخون ما بها من كتب في شتى ميادين المعرفة والعلوم، ثم عادوا إلى بغداد بها وانهمكوا في ترجمتها، وأطلق الرشيد الأسرى.
وبالطبع كان من بين هذا التراث اليوناني العظيم الكثير من الكتب الرياضية الّتي عكف "الخوارزمي" على ترجتمها بشغف عظيم، بعد أن تعلّم اليونانية خصيصا، ليتمكن من نقل هذه الكتب إلى اللغة العربية.
بدأ نجم "الخوارزمي" في الصعود والسطوع رويدا رويدا، لكن فجأة مات الخليفة "هارون الرشيد" وانتقلت الخلافة بعده إلى إبنه "المأمون" ولم يخش "الخوارمي" على مستقبله لأنه كان على علم بأن الخليفة "المأمون" أكثر حبا للعلم لعلماء من "الرشيد" وقد صدق ظن "الخوارزمي"، فلم يلبث أن طلب منه "المأمون" أن يتولى أمانة خزانة الكتب بمكتبة قصر الخلافة في بغداد، وأن يشارك في أعمال الرصد الفلكي الّتي أنشأ لها "المأمون" مرصدا فلكيا خاصا في بغداد.
كان "المأمون" يريد أن يعرف محيط الارض ومساحتها، كما يريد أن يتثبّت من أماكن خطوط الطول والعرض، وأن يتوصل إلى كافة المعلومات الجغرافية والفلكية الممكنة بصورة أدق مما ذكره "بطليموس" في كتبه القديمة، ولهذا الغرض أنشأ "المامون" مرصد بغداد الفلكي وجمع له أفاضل العلماء من كل أنحاء الأرض.
وهكذا أصبح "الخوارزمي" أمينا لمكتبة قصر الخلافة، فقام أولا بتنظيم المكتبة، وأضاف إليها المزيد من الكتب والمؤلفات المهمة في شتى ميادين العلم والمعرفة، ثم انهمك بعد ذلك في أعمال الرصد الفلكي الّتي طلبها "المأمون". وفي هذه الفترة وضع "الخوارزمي" كتابه المعروف بإسم "الربع المعمور" أو "صورة الأرض وما بها من المدن والجبال والبحار والأنهار"، وقد ذكر في هذا الكتاب كل ما سجله "بطليموس" في مؤلفاته القديمة وأضاف الكثير من الجداول الفلكية، ثم أفاض في الحديث عن حركة الكواكب، كما تناول كل ما يتعلق بجغرافيا الأرض والعالم.
وتناول "الخوارزمي" في كتابه "صورة الأرض" الكثير من آراء وأفكار "بطليموس" القديمة. فعمد إلى تصحيح ما بها من أخطاء، وعندما انتهى "الخوارزمي" من تأليف كتاب "صورة الارض" قدمه إلى "المأمون" ففرح به فرحا عظيما، ووصفه علماء مجلس المأمون بأنه أعظم مؤلفات العصر في الفلك والجغرافيا، واعتبره الكثير من العلماء من المؤلفات الاساسية المهمة لعلم الجغرافيا عموما، والجغرافيا الفلكية خصوصا.
وفاة الخوارزمي من فضلكم
ردحذف850م
حذفمن هم اساتذة الخوارزمي
ردحذف