بحث حول مصر في عهد محمد علي باشا
الدول الإسلاميّة أمام التحدّي الأوروبي
مصر في عهد محمّد علي باشا
عرفت مصر في عهد محمد علي تطوّرا عظيما في مختلف الميادين السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة. فتحوّلت من ولاية عثمانيّة إلى دولة مستقلّة عصريّة استطاعت أن تتوسّع على حساب الامبراطوريّة العثمانيّة في الجزيرة العربيّة وبلاد الشام.
غير أنّ تدخّل الدول الأوروبيّة لتحقيق أطماعها في الامبراطوريّة العثمانيّة حال دون ذلك، واقتصر نفوذ الدولة على مصر دون سواها، وعجزت في أواخر القرن XIX على المحافظة على استقلالها.
وتوجّه زعيم الثورة عمر مكرم إلى محمد علي قائلا له: "إنّنا نريدك واليا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير".
وهكذا تمّ اختيار محمد علي من طرف الشعب على أن يحكم البلاد على أساس العدل والشورى.
وأمام الأمر الواقع اضطرّ السلطان العثماني إلى الرضوخ للإرادة الشعبيّة فأصدر فرمانا في 9 جويلية 1805 يعتبر فيه بتعيين محمد علي واليا على مصر. فكان هذا الحدث انقلابا عظيما في نظام الحكم مهد لقيام دولة مصريّة عصريّة مستقلّة.
استطاع "فريزر" احتلال الاسكندريّة ثم توجّه نحو "رشيد" فوجد مقاومة شعبيّة عنيفة، وكان محمد علي آنذاك يحارب المماليك في الصعيد فعقد معهم صلحا والتحق بالإنقليز لمطاردتهم.
وتغيرّت الظروف الدولية فتم توقيع صلح "تلسيت" (1807) بين روسيا ونابليون اعترف فيه هذا الأخير بمصالح روسيا في الامبراطورية العثمانيّة. فأدركت إنقلترا أنّ مصالحها تقتضي التقرّب للسلطنة فقامت بالتفاوض مع محمد علي وسحبت جيوشها سنة 1807. وخرج هكذا محمد علي منتصرا وظهر بمظهر البطل القومي المدافع عن البلاد فازدادت شعبيته وتدعّم نفوذه خاصة بعدما أجرى السيف في زعماء المماليك إثر المأدبة التي أقامها لهم في قلعة القاهرة بمناسبة خروج ابنه طوسون لمحاربة الوهابيين في الجزيرة العربية سنة 1811.
وقد قام بعدّة إصلاحات معتمدا على أقربائه وأنصاره من الألبانيين والمصريين مكّنته من تكوين دولة قويّة.
وهكذا امتاز هذا التنظيم بالإحكام والتدرّج ممّا مكّن الحكومة من السيطرة على كامل أنحاء البلاد، وقد اعتمد محمد علي في هذا التنظيم على الفنيين الفرنسيين فكان التأثير الفرنسي واضحا في جهاز الدولة.
فأدّى انتشار التعليم إلى ظهور حركة فكريّة نشيطة تمثّلت في تطوّر اللّغة العربيّة وتعريب الكتب العلميّة، وممّا ساعد على هذه النهضة تأسيس أول دار للطباعة سنة 1822 فقامت بطبع الكتب العربيّة والفارسيّة والتركيّة وظهرت أوّل جريدة وهي "الوقائع المصرية".
اهتمت الدولة بالزراعة فأقامت السدود ومسحت الأراضي استصلحتها ووزعتها على الفلاحين وقامت بشقّ القنوات وتنظيفها وأحكمت توزيع المياه. وقد تمّ إدخال زراعات جديدة كالتوت والزيتون. وظهر نوع جديد من القطن وفرضت الدولة على الفلاحين أنواعا معيّنة من الزراعة تتماشى ومصلحة البلاد، وازدادت العناية بتنمية الثروة الحيوانيّة فازداد الإنتاج بفضل ما كانت تقدّمه الدولة من تشجيع أدبيّ ومادي.
وكان هدف الحكومة من وراء ذلك يرمي إلى تأمين حاجيات الجيش والأسطول بالدرجة الأولى وتحقيق الاكتفاء الذاتي حتى لا تكون مصر تحت رحمة الدول الأجنبيّة.
وقد أدّى التطوّر الزراعي والصناعي من جهّة ونموّ الأسطول التجاري وتحسين المواني وتعبيد الطرق وتأمين السبل من جهة ثانية إلى ازدهار التجارة. فقد قام محمد علي بإحياء الطرق التجاريّة القديمة الرابطة بين مصر والبحر الأحمر لتنمية التجارة بين الشرق وأوروبا فنجح نسبيا في استمالة التجار الأجانب فاتّفق مع الشركة البريطانيّة الهندية على استغلال وتنشيط هذا الطريق.
وممّا ساعد هذا التطوّر الاقتصادي وفرة اليد العاملة ورخصها والخبرة الفنيّة الأجنبيّة والمصريّة التي تكوّنت في الدول الأوروبيّة والمدارس المصريّة التي أنشأها محمد علي.
فقد اتّجهت سياسة محمد علي الاقتصاديّة إلى نظام الاحتكار. فالدولة هي المالك الوحيد للأرض والمصنع والمروّج الوحيد للإنتاج ومن هنا لم يستفد المجتمع المصري من نتاج التطوّر الاقتصادي فحرم الفلاح والعامل والتاجر من ثمرة جهدهم.
فكان العمال يعيشون في ظروف قاسية يرتبطون بالمصنع ويتقاضون أجورا زهيدة ويعيشون في ثكنات ويخضعون للتدريب العسكري والتجنيد الإجباري.
ولم تكن حالة الفلاحين بأحسن من حالة العمال رغم تحرّرهم من سلطة المماليك والملتزمين فقد ظلّوا مرتبطون بالأرض وكان عليهم أن يعملو ا مجانا مدّة سنتين يوما في السنة في أراضي محمد علي وأتباعه وكانوا مع ذلك يدفعون ضرائب للدولة أكثر ممّا كانوا يدفعونه للملتزمين.
وقام محمد علي بإنشاء المدارس الحربيّة لإعداد الإطارات العسكريّة المصريّة من ذلك:
- مدرسة المشاة في دمياط.
- مدرسة الخيالة في الجيزة.
- مدرسة المدفعيّة في طرة (قرب القاهرة).
- مدرسة أركان الحرب القاهرة.
وللاستغناء عن الأجانب أرسل عدّة بعثات مصرية إلى أوروبا للتخصّص في مختلف الميادين العسكريّة.
وكان العمال والخبراء بادئ الأمر من الأجانب لكن سرعان ما عوّضوا بالمصريين الذين أظهروا كفاءة وخبرة عالية جعلت دار الصناعة بالاسكندرية تضاهي دور الصناعة الأوروبيّة.
واستطاع محمد علي بفضل جيشه العصري وأسطوله القويّ وخبرة إطاراته العصريّة وكفاءتهم العاليّة أن يحقّق عدّة انتصارات في الحروب التي خاضها في الجزيرة العربيّة واليونان وبلاد الشام، ممّا أزعج الدول الأوروبيّة وخاصة إنقلترا التي أصبحت مصالحها مهدّدة في منطقة الشرق وفي البحر الأبيض المتوسّط.
ومهما يكن من أمر فإن حلم محمد علي لم يتحقّق إلا نسبيّا نتيجة لمعارضة الدولة العثمانيّة من جهة وتدخل الدول الأوروبيّة للمحافظة على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط من جهة ثانية.
فتمكّن محمد علي الذي جهز جيشا قويّا مزوّدا بأحدث الأسلحة من سحق الثورة واحتلال الدرعيّة مقرّ الدعوة على يد ابنه إبراهيم باشا.
وتظاهر محمد علي بالولاء للدولة العثمانيّة فعيّن ابنه أخته حاكما على الحجاز تابعا للسلطان وأخذ يترقّب الفرص والجوّ الملائم لضمّ الجزيرة إلى الدولة المصريّة. لكن الأوضاع تغيرّت وعادت الفتن والثورات الوهابيّة السعوديّة وتدخلّت إنقلترا وتحالفت مع أمراء الجزيرة وقامت باحتلال عدن سنة 1828 فاضطر محمد علي إلى الانسحاب سنة 1840.
وفي 9 أوت 1828 وقع محمد علي في الاسكندرية إتفاقيّة تقضي بجلاء الجيوش المصريّة عن بلاد اليونان وفي سبتمبر 1828 نزلت الجيوش الفرنسيّة في المورة وانسحب المصريون وانتهت الحرب التي كبّدت محمد علي حوالي 30.000 جندي زيادة على أسطوله.
وترتّب على ذلك أن ساءت العلاقات بينه وبين السلطان العثماني لأنّه كان يأمل بتدخّله هذا أن يمنح ولاية الشام إلاّ أنّ شيئا من ذلك لم يتم ممّا أدّى إلى تصادم القوّتين الإسلاميتين.
فتحقّق حلم محمد علي وسيطر على تجارة العبيد ومنابع النيل وثروات السودان إلاّ أنّ آماله تبخّرت لعدم وجود مناجم الذهب، واستمر النفوذ المصري على السودان حتى قامت الثورة المهديّة وضغطت إنقلترا على مصر فانسحبت من السودان سنة 1885.
فاتخذ من الخلاف القائم بينه وبين والي عكّا عبد الله باشا الذي عرقل نقل الخشب إلى مصر وامتنع عن تسديد ما عليه من ديون لمحمد علي وتسليم الفلاحين المصريين الفارين من التجنيد، اتّخذ من كلّ ذلك ذريعة للقيام بحملتين عسكريتين لفتح بلاد الشام.
وقف السلطان العثماني تجاه هذه الأحداث موقف الحياد ظنّا منه أنّ الحرب لا تتعدّى كونها صراعا بين ولايتين، إلاّ أنّه بعد سقوط عكّا تيقّن أنّ الحرب موجّهة ضدّه، لذا أصدر أوامره بعزل محمد علي من ولاية مصر وعيّن مكانه حسين باشا وجهزه بجيش وكلّفه بمنع تقدّم الجيوش المصريّة في بلاد الشام، غير أنّ إبراهيم باشا استطاع أن يحتلّ دمشق وحمص وحماه وحلب بعد معارك طاحنة سحق فيها الجيش العثماني واجتاز جبال طوروس وتوغّل في بلاد الأناضول وفي معركة "قونيّة" (21 ديسمبر 1832) انهزم جيش السلطان وأصبحت الجيوش المصريّة أمام أبواب الاستانة، فأسرعت الدول الأوروبيّة وتدخّلت خاصّة إنقلترا التي استاءت من انتصارات محمد علي فخافت من سيطرته على المضائق وتهديده لمصالحها في الهند. لذا ضغطت مع روسيا على السلطان ومحمد علي وفرضت عليهما معاهدة "كوتاهية" (5 ماي 1833) التي اعترف فيها السلطان بسيادة محمد علي على مصر والجزيرة العربية والسودان وكريت وسوريا وفلسطين مقابل انسحابه عن الأناضول.
واستاءت الدولة العثمانيّة من موقف إنقلترا فعقدت معاهدة مع "روسيا" هنكار اسكلسي (8 جويلية 1833) تعهّد فيها قيصر روسيا بالدفاع عن الإمبراطوريّة العثمانيّة مقابل غلق البسفور والدردنيل في وجه الدول المعادية له.
أخذت السلطنة العثمانيّة تستعد للحرب فجهزت جيشا يعدّ مائة ألف جندي دفعت بهم نحو سوريا (21 أفريل 1839) فتصدّى لهم إبراهيم باشا وسحقهم في معركة "نصيبين" (24 جويلية 1839). وانضمّ الأسطول العثماني بقيادة الأميرال أحمد فوزي باشا إلى جيش محمد علي فأشرفت الدولة العثمانيّة على نهايتها لولا تدخّل الدول الأوروبيّة وخاصّة إنقلترا التي فرضت مع روسيا وبروسيا والنمسا رغم معارضة فرنسا معاهدة "لندن" (1840) التي تقرّر فيها منح محمد علي حكم مصر عن طريق الوراثة وبقاء ولاية عكّا تحت نفوذه مدّة حياته.
رفض محمد علي هذه المعاهدة معتمدا على مساندة فرنسا له من جهة وقوّة جيشه من جهة ثانية، فنزلت الجيوش الإنقليزيّة على السواحل السوريّة وتخلّت فرنسا عن مساندة محمد علي فعجز عن صدّ الغزاة. وأصدر السلطان فرمانا بعزله، وأمام هذا الضغط والعزلة السياسيّة اضطرّ إلى سحب جيوشه من سوريا وكريت والجزيرة العربيّة وإلى قبول معاهدة "لندن" فأصدر السلطان فرمانا جديدا (1841) ضمن فيه لمحمد علي وذريته فيما بعد حكم مصر على أن تكون تابعة للسلطنة فتدفع جزية سنوية للدولة العثمانيّة ويكون جيشها الذي حدّد بثمانية عشر ألف جندي جزءا من الجيش العثماني مع منع مصر من بناء السفن الحربيّة. وهكذا انتهت حياة محمد علي السياسيّة وتحطّمت آماله التوسعيّة واقتصر نفوذه على مصر وتوارث أبناؤه وأحفاده فيما بعد حكم البلاد حتى قيام الثورة المصريّة (23 جويلية 1952) فتمّ خلع الملك فاروق وقام النظام الجمهوري.
الخاتمة :
استطاع محمد علي تأسيس دولة مصريّة مستقلّة عمليّا عن السلطنة العثمانيّة بفضل ما قام به من إصلاحات في مختلف الميادين متأثرة بالطابع الأوروبي. ولئن كانت هذه الإصلاحات عبئا ثقيلا على الجماهير الشعبيّة إلاّ أنّها جعلت من مصر دولة عصريّة وقوّة ضاربة في المنطقة، فأصبحت مثالا يحتذى به فقام أحمد باي بالسير على منوالها واقتباس نظمها. على أنّ هذه الدولة لم تستطع مواجهة القوى الأوروبيّة فعجزت عن تحقيق أهدافها وفشلت حتى في المحافظة على استقلالها فتحوّلت إلى مستعمرة إنقليزيّة سنة 1882.
غير أنّ تدخّل الدول الأوروبيّة لتحقيق أطماعها في الامبراطوريّة العثمانيّة حال دون ذلك، واقتصر نفوذ الدولة على مصر دون سواها، وعجزت في أواخر القرن XIX على المحافظة على استقلالها.
I- وصول محمد علي إلى الحكم :
بعد فشل حملة نابليون وجلاء الفرنسيين عن مصر سنة 1801 دخلت البلاد طور صراع عنيف حول الحكم من طرف القوى التي ساهمت في طرد الفرنسيين، فاندلعت عدّة ثورات نتيجة للصراع بين الأتراك والمماليك من جهة والقوى الشعبيّة من جهة ثانية.1)- الصراع الداخلي :
عاد الأتراك إلى مصر وحاولوا بسط نفوذهم إلاّ أنّهم اصطدموا بمعارضة شعبيّة قويّة نتيجة لنموّ الروح الوطنيّة وبأطماع المماليك والإنقليز الذين احتفظوا بمركزهم في مصر بعدما ساهموا في طرد الفرنسيين وساندوا المماليك لتقوية نفوذهم وضمان مصالحهم نظرا لموقع مصر الممتاز بالنسبة لمستعمراتهم في الهند.أ- الصراع مع الأتراك :
عيّن السلطان العثماني "خشرو باشا" ففشل كما فشل الولاة الأربعة الذين عيّنوا بعده لانقسام الجيش العثماني على نفسه. فقد تمكّن المماليك بمساندة الإنقليز من جهة ومحمد علي الذي أصبح قائد الفرقة العسكريّة الألبانيّة التركيّة من جهة أخرى من طرد أحمد باشا الوالي العثماني سنة 1803 فسيطر المماليك من جديد على الحكم بقيادة عثمان بك البرديسي.ب- الصراع مع المماليك :
عاد المماليك لحكم البلاد بتأييد من محمد علي قائد الجيش إلاّ أنّهم استبدوا وأرهقوا السكان بالضرائب فعمّ الغضب الشعبي. وانتهز محمد علي هذه الفرصة وأخذ يتقرّب إلى الشعب وأنزل جيوشه لمساندة الثورة الشعبيّة. فاضطرّ المماليك إلى الفرار نحو الصعيد المصري فكسب بذلك محمد على عطف الشعب وثقة زعمائه.2)- تعيين محمد علي واليا على مصر :
أ- محمد علي باشا :
ولد محمد علي سنة 1769 بمقدونيا وهو من أصل ألباني اشتغل بالتجارة ثم عيّن ضابطا في الجيش الألباني العثماني ودخل مصر مع الجيش التركي الذي جاء لطرد الفرنسيين عن مصر إثر حملة نابليون، وتمكّن بما أثبته من دراية عسكريّة أن يصبح قائد الجيش في مصر.ب- اختيار محمد علي :
عيّن العثمانيون "خو رشيد" واليا على مصر فحاول التخلّص من محمد علي وصدر فرمان سلطاني يقضي بإخراج الفرقة الألبانيّة من مصر، فاحتجّ الشعب واضطرت الدولة إلى الرضوخ للرأي العام. وأمام استبداد الوالي اندلعت ثورة عامّة في القاهرة بزعامة عمر مكرم أجبرت الوالي على مغادرة مصر رغم وقوف محمد علي تجاه هذه الأحداث موقف الحياد خوفا من السلطان العثماني.وتوجّه زعيم الثورة عمر مكرم إلى محمد علي قائلا له: "إنّنا نريدك واليا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير".
وهكذا تمّ اختيار محمد علي من طرف الشعب على أن يحكم البلاد على أساس العدل والشورى.
وأمام الأمر الواقع اضطرّ السلطان العثماني إلى الرضوخ للإرادة الشعبيّة فأصدر فرمانا في 9 جويلية 1805 يعتبر فيه بتعيين محمد علي واليا على مصر. فكان هذا الحدث انقلابا عظيما في نظام الحكم مهد لقيام دولة مصريّة عصريّة مستقلّة.
ج- الحملة الإنقليزيّة 1807 :
غادرت إنقلترا مصر سنة 1802 بموجب اتفاقيّة "اميان" إلاّ أنّ وصول محمد علي إلى الحكم أصبح يهدّد مصالحها في الهند. لذا طلبت من السلطان العثماني عزله وإرجاع نفوذ المماليك، وازداد استياؤها عندما اتفق العثمانيون مع نابليون، لذا قرّرت إنقلترا إرسال حملة عسكريّة إلى مصر بقيادة "فريزر" (سنة 1807) وذلك للضغط على السلطان.استطاع "فريزر" احتلال الاسكندريّة ثم توجّه نحو "رشيد" فوجد مقاومة شعبيّة عنيفة، وكان محمد علي آنذاك يحارب المماليك في الصعيد فعقد معهم صلحا والتحق بالإنقليز لمطاردتهم.
وتغيرّت الظروف الدولية فتم توقيع صلح "تلسيت" (1807) بين روسيا ونابليون اعترف فيه هذا الأخير بمصالح روسيا في الامبراطورية العثمانيّة. فأدركت إنقلترا أنّ مصالحها تقتضي التقرّب للسلطنة فقامت بالتفاوض مع محمد علي وسحبت جيوشها سنة 1807. وخرج هكذا محمد علي منتصرا وظهر بمظهر البطل القومي المدافع عن البلاد فازدادت شعبيته وتدعّم نفوذه خاصة بعدما أجرى السيف في زعماء المماليك إثر المأدبة التي أقامها لهم في قلعة القاهرة بمناسبة خروج ابنه طوسون لمحاربة الوهابيين في الجزيرة العربية سنة 1811.
II- إصلاحات محمد علي :
بعد أن اطمأن محمد علي على مركزه في مصر وأصبح الحاكم المطلق في البلاد أخذ يسعى لأن يجعل من ولاية مصر دولة عصريّة مستقلّة قادرة على مواجهة الأطماع الأجنبيّة فقام بعدّة إصلاحات إداريّة واقتصاديّة وعسكريّة مقتسبة من النظم الأوروبيّة الحديثة.1)- تنظيم جهاز الدولة :
كانت مصر تعتبر ولاية عثمانيّة من الناحية النظريّة، فقد ظلّ محمد علي يعتبر نفسه واليا خاضعا للباب العالي متسترا وراء ذلك حتى يتمكّن من تحويل هذه الولاية إلى دولة مستقلّة عصريّة. فكان يدفع للسلطان ضريبة سنويّة ويذكر اسمه على المنابر إلاّ أنّه لا ينفذ من الأوامر السلطانيّة إلا ما كان في صالحه.وقد قام بعدّة إصلاحات معتمدا على أقربائه وأنصاره من الألبانيين والمصريين مكّنته من تكوين دولة قويّة.
أ- الدواوين :
قام محمد علي بإنشاء عدّة دواوين (وزارات) لكلّ فرع من فروع الإدارة وعلى رأسها مجلس الشورى الذي يضمّ جميع رؤساء الدواوين وأعيان البلاد للنظر في شؤون الدولة العامّة، على أنّ سلطته كانت محدودة، ذلك أنّ السلطة الحقيقيّة كانت بيد محمد علي الذي كان يدير شؤون الدولة بنفسه. وبجانب ذلك أنشأ الديوان العالي الذي ينظر في المشاريع العامّة قبل تنفيذها.ب- التقسيم الإداري :
وقع تقسيم البلاد إلى سبع مديريات خاضعة للحكومة المركزيّة، وكان المدير يمارس تسيير الشؤون الإداريّة والماليّة والاقتصاديّة. وتقسّم المديريّة إلى مراكز يرأسها المأمور وتقسّم بدورها إلى نواح يرأسها الناظر، أمّا القرية فيتولّى شؤونها العمدة.وهكذا امتاز هذا التنظيم بالإحكام والتدرّج ممّا مكّن الحكومة من السيطرة على كامل أنحاء البلاد، وقد اعتمد محمد علي في هذا التنظيم على الفنيين الفرنسيين فكان التأثير الفرنسي واضحا في جهاز الدولة.
ج- التعليم :
أدرك محمد علي الرجل الأمّي أنّ قيام دولة عصريّة متقدّمة يتوقّف بالدرجة الأولى على التعليم، لذا أولى عنايته بهذا القطاع فقام بإنشاء المعاهد العليا لتخريج الأطباء والمهندسيين... وأسّس المدارس الابتدائيّة والثانويّة واقتاد لها التلاميذ بالقوّة ومكّنهم من الطعام واللباس وحتى المنح فأصبح التعليم أشبه بالنظام العسكري الإجباري. وبجانب ذلك شجع البعثات المصريّة لأوروبا لدارسة مختلف العلوم والفنون.فأدّى انتشار التعليم إلى ظهور حركة فكريّة نشيطة تمثّلت في تطوّر اللّغة العربيّة وتعريب الكتب العلميّة، وممّا ساعد على هذه النهضة تأسيس أول دار للطباعة سنة 1822 فقامت بطبع الكتب العربيّة والفارسيّة والتركيّة وظهرت أوّل جريدة وهي "الوقائع المصرية".
2)- الإصلاحات الاقتصادية وأثرها المجتمع :
أ- الزراعة :
ب- الصناعة والتجارة :
شهدت مصر في عهد علي نهضة صناعيّة كبرى حيث أنشئت مصانع الأسلحة والسفن والعربات والسكّر والورق والنسيج...وكان هدف الحكومة من وراء ذلك يرمي إلى تأمين حاجيات الجيش والأسطول بالدرجة الأولى وتحقيق الاكتفاء الذاتي حتى لا تكون مصر تحت رحمة الدول الأجنبيّة.
وقد أدّى التطوّر الزراعي والصناعي من جهّة ونموّ الأسطول التجاري وتحسين المواني وتعبيد الطرق وتأمين السبل من جهة ثانية إلى ازدهار التجارة. فقد قام محمد علي بإحياء الطرق التجاريّة القديمة الرابطة بين مصر والبحر الأحمر لتنمية التجارة بين الشرق وأوروبا فنجح نسبيا في استمالة التجار الأجانب فاتّفق مع الشركة البريطانيّة الهندية على استغلال وتنشيط هذا الطريق.
وممّا ساعد هذا التطوّر الاقتصادي وفرة اليد العاملة ورخصها والخبرة الفنيّة الأجنبيّة والمصريّة التي تكوّنت في الدول الأوروبيّة والمدارس المصريّة التي أنشأها محمد علي.
ج- أثر التطوّر الاقتصادي على المجتمع :
كان للتطوّر الاقتصادي أثره الواضح على حياة المجتمع المصري فتحوّل من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع تسطير فيه الدولة على مختلف وسائل الإنتاج والتوزيع.فقد اتّجهت سياسة محمد علي الاقتصاديّة إلى نظام الاحتكار. فالدولة هي المالك الوحيد للأرض والمصنع والمروّج الوحيد للإنتاج ومن هنا لم يستفد المجتمع المصري من نتاج التطوّر الاقتصادي فحرم الفلاح والعامل والتاجر من ثمرة جهدهم.
فكان العمال يعيشون في ظروف قاسية يرتبطون بالمصنع ويتقاضون أجورا زهيدة ويعيشون في ثكنات ويخضعون للتدريب العسكري والتجنيد الإجباري.
ولم تكن حالة الفلاحين بأحسن من حالة العمال رغم تحرّرهم من سلطة المماليك والملتزمين فقد ظلّوا مرتبطون بالأرض وكان عليهم أن يعملو ا مجانا مدّة سنتين يوما في السنة في أراضي محمد علي وأتباعه وكانوا مع ذلك يدفعون ضرائب للدولة أكثر ممّا كانوا يدفعونه للملتزمين.
3)- الإصلاحات العسكريّة :
اهتمّ محمد علي منذ توليه السلطة بالناحية العسكريّة وأولاها كلّ عنايته لما لها من أهميّة في المحافظة على كيان الدولة وتحقيق أهدافه التوسعيّة.أ- الجيش :
قام محمد علي بإنشاء جيش نظامي كانت نواته الفرقة الألبانيّة ثم توسّع بانضمام العنصر السوداني فالمصري إثر إقرار مبدأ التجنيد الإجباري للفلاحين، خاصة بعد حملته على اليونان. فأصبح الجيش جيشا مصريّا وطنيّا، واعتمد في تدريباته على الفنّيين الأوروبيين، وقد لعب الضابط الفرنسي "ساف" الذي عرف باسم سليمان باشا الفرنساوي دورا أساسيّا في تكوين الجيش المصري.وقام محمد علي بإنشاء المدارس الحربيّة لإعداد الإطارات العسكريّة المصريّة من ذلك:
- مدرسة المشاة في دمياط.
- مدرسة الخيالة في الجيزة.
- مدرسة المدفعيّة في طرة (قرب القاهرة).
- مدرسة أركان الحرب القاهرة.
وللاستغناء عن الأجانب أرسل عدّة بعثات مصرية إلى أوروبا للتخصّص في مختلف الميادين العسكريّة.
ب- الأسطول :
كرّس محمد علي جهوده لتكوين أسطول حربي قادر على تحقيق آماله فقام بتجهيزه بقطع حربيّة أوروبيّة حديثة وأنشأ دارا لصناعة السفن بالاسكندريّة مستعينا بمهندس فرنسي إثر تحطيم أسطوله في معركة نفارين.وكان العمال والخبراء بادئ الأمر من الأجانب لكن سرعان ما عوّضوا بالمصريين الذين أظهروا كفاءة وخبرة عالية جعلت دار الصناعة بالاسكندرية تضاهي دور الصناعة الأوروبيّة.
واستطاع محمد علي بفضل جيشه العصري وأسطوله القويّ وخبرة إطاراته العصريّة وكفاءتهم العاليّة أن يحقّق عدّة انتصارات في الحروب التي خاضها في الجزيرة العربيّة واليونان وبلاد الشام، ممّا أزعج الدول الأوروبيّة وخاصة إنقلترا التي أصبحت مصالحها مهدّدة في منطقة الشرق وفي البحر الأبيض المتوسّط.
III- السياسة الخارجيّة :
كانت سياسة محمد علي الخارجيّة تهدف إلى إقامة امبراطوريّة مصريّة فقام لتحقيق ذلك بعدّة حروب خاضها بدوافع شخصيّة، كما قام بأخرى بتكليف من السلطان العثماني.ومهما يكن من أمر فإن حلم محمد علي لم يتحقّق إلا نسبيّا نتيجة لمعارضة الدولة العثمانيّة من جهة وتدخل الدول الأوروبيّة للمحافظة على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط من جهة ثانية.
1)- الحروب التي قام بها بتكليف من السلطان :
اضطرّت الدولة العثمانيّة في القرن XIX نظرا لعجزها إلى تكليف محمد علي بالقضاء على الثورات التي اندلعت في الجزيرة العربيّة وفي بلاد اليونان.أ- الحروب في الجزيرة العربيّة :
فشل ولاّة العراق والشام في القضاء على الحركة الوهابيّة التي ظهرت في الجزيرة العربيّة لذا اضطر السلطان العثماني إلى تكليف محمد علي بالقضاء عليها.فتمكّن محمد علي الذي جهز جيشا قويّا مزوّدا بأحدث الأسلحة من سحق الثورة واحتلال الدرعيّة مقرّ الدعوة على يد ابنه إبراهيم باشا.
وتظاهر محمد علي بالولاء للدولة العثمانيّة فعيّن ابنه أخته حاكما على الحجاز تابعا للسلطان وأخذ يترقّب الفرص والجوّ الملائم لضمّ الجزيرة إلى الدولة المصريّة. لكن الأوضاع تغيرّت وعادت الفتن والثورات الوهابيّة السعوديّة وتدخلّت إنقلترا وتحالفت مع أمراء الجزيرة وقامت باحتلال عدن سنة 1828 فاضطر محمد علي إلى الانسحاب سنة 1840.
ب- الحروب في بلاد اليونان :
ثار اليونانيون في المورة على السلطان العثماني ونجحوا في طرد الحاميات التركيّة من بلادهم، لذا استنجد السلطان بمحمد علي فأرسل أسطولا بقيادة ابنه إبراهيم باشا وكاد أن يسحق الثورة لولا تدخّل الدول الأوروبيّة (روسيا – فرنسا – إنقلترا) التي تمكّنت من تحطيم الأسطول المصري في معركة نفارين (أكتوبر 1827).وفي 9 أوت 1828 وقع محمد علي في الاسكندرية إتفاقيّة تقضي بجلاء الجيوش المصريّة عن بلاد اليونان وفي سبتمبر 1828 نزلت الجيوش الفرنسيّة في المورة وانسحب المصريون وانتهت الحرب التي كبّدت محمد علي حوالي 30.000 جندي زيادة على أسطوله.
وترتّب على ذلك أن ساءت العلاقات بينه وبين السلطان العثماني لأنّه كان يأمل بتدخّله هذا أن يمنح ولاية الشام إلاّ أنّ شيئا من ذلك لم يتم ممّا أدّى إلى تصادم القوّتين الإسلاميتين.
2)- الحروب التي قام بها لأطماعه الشخصيّة :
اندفع محمد علي لتحقيق أطماعه التوسعيّة فخاض عدّة حروب وذلك لتكوين امبراطوريّة مصريّة تمتدّ من جبال طوروس (جنوب تركيا) إلى منابع النيل بالسودان تمكّنه من ثروة ماديّة طائلة وقوّة عسكريّة هائلة.أ- فتح السودان :
قام محمد علي بفتح السودان وذلك لاستغلال مناجم الذهب التي اعتقد بوجودها والسيطرة على مجرى النيل وتجارة العبيد وتجنيد السودانيين لتكوين قوّة عسكريّة ضاربة. فاتخذ من مطاردة المماليك الذين التجأوا إلى السودان ذريعة للقيام بحملة عسكريّة واسعة. ففي سنة 1820 أرسل جيشا بقيادة ابنه إسماعيل فاستولى على عدّة مدن سودانيّة (شندي – بربر – سنار) إلاّ أنّ إسماعيل قرّر العودة إلى مصر إثر مرضه وفي طريقه قام صاحب شندي الملك نمر بحرقه، فأرسل محمد علي فرقة عسكرية قامت بحرق مدينة شندي انتقاما لابنه وأنشأ عاصمة جديدة وهي "الخرطوم".فتحقّق حلم محمد علي وسيطر على تجارة العبيد ومنابع النيل وثروات السودان إلاّ أنّ آماله تبخّرت لعدم وجود مناجم الذهب، واستمر النفوذ المصري على السودان حتى قامت الثورة المهديّة وضغطت إنقلترا على مصر فانسحبت من السودان سنة 1885.
ب- فتح سوريا (1831-1841) :
قرّر محمد علي فتح سوريا وبسط نفوذه على بلاد الشام لاستغلال مواردها من الخشب وتعويض ما مني به من خسائر في حرب اليونان، ولاعتقاده أنّ الحدّ الفاصل بينه وبين السلطة العثمانيّة هو جبال طوروس.فاتخذ من الخلاف القائم بينه وبين والي عكّا عبد الله باشا الذي عرقل نقل الخشب إلى مصر وامتنع عن تسديد ما عليه من ديون لمحمد علي وتسليم الفلاحين المصريين الفارين من التجنيد، اتّخذ من كلّ ذلك ذريعة للقيام بحملتين عسكريتين لفتح بلاد الشام.
- الحملة الأولى (1831-1833) :
تحرّكت طلائع الجيوش المصريّة عن طريق سيناء وانطلق الأسطول تحت إشراف القائد العام ومستشاره سليمان الفرنساوي. وبدأ التفوّق واضحا منذ بدء العمليات العسكرية، فتم احتلال غزة ويافا وحيفا دون مقاومة، وضرب حصار شديد على عكا استمر ستة أشهر استسلمت إثره المدينة سنة 1832 وانضمّ أمير لبنان بشير الشهابي إلى الجيوش المصريّة وقدّم رؤساء العشائر وأعيان سوريا ولاءهم لمحمد علي.وقف السلطان العثماني تجاه هذه الأحداث موقف الحياد ظنّا منه أنّ الحرب لا تتعدّى كونها صراعا بين ولايتين، إلاّ أنّه بعد سقوط عكّا تيقّن أنّ الحرب موجّهة ضدّه، لذا أصدر أوامره بعزل محمد علي من ولاية مصر وعيّن مكانه حسين باشا وجهزه بجيش وكلّفه بمنع تقدّم الجيوش المصريّة في بلاد الشام، غير أنّ إبراهيم باشا استطاع أن يحتلّ دمشق وحمص وحماه وحلب بعد معارك طاحنة سحق فيها الجيش العثماني واجتاز جبال طوروس وتوغّل في بلاد الأناضول وفي معركة "قونيّة" (21 ديسمبر 1832) انهزم جيش السلطان وأصبحت الجيوش المصريّة أمام أبواب الاستانة، فأسرعت الدول الأوروبيّة وتدخّلت خاصّة إنقلترا التي استاءت من انتصارات محمد علي فخافت من سيطرته على المضائق وتهديده لمصالحها في الهند. لذا ضغطت مع روسيا على السلطان ومحمد علي وفرضت عليهما معاهدة "كوتاهية" (5 ماي 1833) التي اعترف فيها السلطان بسيادة محمد علي على مصر والجزيرة العربية والسودان وكريت وسوريا وفلسطين مقابل انسحابه عن الأناضول.
- الحملة الثانية ونهاية الأزمة :
لم يحقّق صلح "كوتاهية" مصالح الطرفين المتنازعين ،فلم يتحصّل محمد علي على الاستقلال التامّ لضمان بقاء امبراطوريته العربيّة، واستاء السلطان لانتصار الجنود المصريين من الفلاحين على الجيوش العثمانيّة من جهة وضعف نفوذه على البلاد العربيّة من جهة ثانية لذا لم يكن هذا الصلح سوى هدنة موقّتة.أخذت السلطنة العثمانيّة تستعد للحرب فجهزت جيشا يعدّ مائة ألف جندي دفعت بهم نحو سوريا (21 أفريل 1839) فتصدّى لهم إبراهيم باشا وسحقهم في معركة "نصيبين" (24 جويلية 1839). وانضمّ الأسطول العثماني بقيادة الأميرال أحمد فوزي باشا إلى جيش محمد علي فأشرفت الدولة العثمانيّة على نهايتها لولا تدخّل الدول الأوروبيّة وخاصّة إنقلترا التي فرضت مع روسيا وبروسيا والنمسا رغم معارضة فرنسا معاهدة "لندن" (1840) التي تقرّر فيها منح محمد علي حكم مصر عن طريق الوراثة وبقاء ولاية عكّا تحت نفوذه مدّة حياته.
رفض محمد علي هذه المعاهدة معتمدا على مساندة فرنسا له من جهة وقوّة جيشه من جهة ثانية، فنزلت الجيوش الإنقليزيّة على السواحل السوريّة وتخلّت فرنسا عن مساندة محمد علي فعجز عن صدّ الغزاة. وأصدر السلطان فرمانا بعزله، وأمام هذا الضغط والعزلة السياسيّة اضطرّ إلى سحب جيوشه من سوريا وكريت والجزيرة العربيّة وإلى قبول معاهدة "لندن" فأصدر السلطان فرمانا جديدا (1841) ضمن فيه لمحمد علي وذريته فيما بعد حكم مصر على أن تكون تابعة للسلطنة فتدفع جزية سنوية للدولة العثمانيّة ويكون جيشها الذي حدّد بثمانية عشر ألف جندي جزءا من الجيش العثماني مع منع مصر من بناء السفن الحربيّة. وهكذا انتهت حياة محمد علي السياسيّة وتحطّمت آماله التوسعيّة واقتصر نفوذه على مصر وتوارث أبناؤه وأحفاده فيما بعد حكم البلاد حتى قيام الثورة المصريّة (23 جويلية 1952) فتمّ خلع الملك فاروق وقام النظام الجمهوري.
الخاتمة :
استطاع محمد علي تأسيس دولة مصريّة مستقلّة عمليّا عن السلطنة العثمانيّة بفضل ما قام به من إصلاحات في مختلف الميادين متأثرة بالطابع الأوروبي. ولئن كانت هذه الإصلاحات عبئا ثقيلا على الجماهير الشعبيّة إلاّ أنّها جعلت من مصر دولة عصريّة وقوّة ضاربة في المنطقة، فأصبحت مثالا يحتذى به فقام أحمد باي بالسير على منوالها واقتباس نظمها. على أنّ هذه الدولة لم تستطع مواجهة القوى الأوروبيّة فعجزت عن تحقيق أهدافها وفشلت حتى في المحافظة على استقلالها فتحوّلت إلى مستعمرة إنقليزيّة سنة 1882.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة