يومي الأول بالمدرسة - نصوص أدبيّة - السنة الخامسة ابتدائي
1- أَسْفَرَ صُبْحُ اليَوْمِ المَوْعُودِ، يَوْمِ الاِلْتِحَاقِ بِالمَدْرَسَةِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بَاكِرًا، وَجَعَلْتُ أَتَأَهَّبُ لِلْخُرُوجِ، وَكَانَ أَبِي يَنْتَظِرُنِي لِيُرَافِقَنِي إِلَى المَدْرَسَةِ. وَسِرْنَا مَعًا نَخْتَرِقُ شَوَارِعَ المَدِينَةِ، هُوَ يُسْرِعُ فِي سَيْرِهِ، وَأَنَا مُسْتَغْرِقٌ فِي التَّفْكِيرِ، أُفَكِّرُ فِي المَدْرَسَةِ وَالتَّلاَمِيذِ وَالمُعَلِّمِينَ، وَقَدْ بَدَوْا لِي كَأَشْبَاحٍ غَامِضَةٍ تَتَرَاقَصُ أَمَامِي (1) ثُمَّ أَمْسَكَ أَبِي عَنِ المَسِيرِ، وَوَقَفَ بِجَانِبِ بِنَايَةٍ عَتِيقَةٍ شَبِيهَةٍ بِدَارِنَا، وَأَشَارَ إِلَيَّ قَائِلاً: "هَا قَدْ وَصَلْنَا إِلَى مَدْرَسَتِكَ، فَادْخُلْهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ". فَرَفَعْتُ بَصَرِي وَقُلْتُ: "أَهَذِهِ هِيَ المَدْرَسَةُ؟"
2- وَدَخَلْتُ مَعَ الدَّاخِلِينَ، فَوَجَدْتُنِي فِي سَاحَةٍ فَسِيحَةٍ وَسَطَ جُمُوعٍ غَفِيرَةٍ مِنَ التَّلاَمِيذِ يَتَلاَعَبُونَ وَيَتَصَايَحُونَ وَيَرْكُضُونَ، فَانْزَوَيْتُ عَنْهُمْ (2) وَاسْتَنَدْتُ إَلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ أُرَاقِبُهُمْ مِنْ بَعِيد شَارِدَ النَّظَرَاتِ مُنْدَهِشًا مِنْ ضَجِيجِهِمْ. وَطَالَتْ وَقْفَتِي وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الحَالِ، حَتَّى سَئِمْتُ الوُقُوفَ وَفَكَّرْتُ فِي الفِرَارِ.
3- وَفِيمَا أَنَا جَامِدٌ فِي مَكَانِي سَمِعْتُ رَنَّةً مُفَاجِئَةً تُدَوِّي فِي الفَضَاءِ، فَاعْتَرَتْنِي هَزَّةٌ (3)، وَإِذَا بِنَاقُوسِ المَدْرَسَةِ تَتَتَابَعُ دَقَّاتُهُ بِصَوْتٍ رَهِيبٍ (4). وَمَا أَنْ أَمْسَكَ عَنْ صَلِيلِهِ حَتَّى تَعَالَى صَوْتٌ جَوْهَرِيٌّ (5) يَأْمُرُ التَّلاَمِيذَ بِالاِنْتِظَامِ فِي الصُّفُوفِ. فَدُفِعَتْ إِلَى صَفِّ التَّلاَمِيذِ الجُدُدِ، وَأَخَذْتُ مَكَانِي بَيْنَهُمْ، وَقَصَدْنَا الفَصْلَ نَضْرِبُ الأَرْضَ بِأَقْدَامِنَا مِثْلَ الجُنُودِ.
4- وَفِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، شَعُرْتُ بِأَنِّي أَبْتَدِئُ حَيَاةً جَدِيدَةً تَخْتَلِفُ أَيَّمَا اِخْتِلاَفٍ عَنْ حَيَاتِي المَنْزِلِيَّةِ السَّالِفَةِ.
محمود تيمور
(بتصرف)
الشرح:
1- بَدَوْا لِي كَأَشْبَاحٍ غَامِضَةٍ: بَدَا: أيْ ظهرَ وبانَ – الشَّبَحُ: هو ما بدا لك شخصُهُ غيرَ واضحٍ، إنّ هذا الطفلَ يذهب إلى المدرسة لأوّل مرّة وهو يجهلُ الحياةَ المدرسيةَ ولا يتصوّرُ ما فيها بوُضُوحٍ. لذلك يبدو له كلُّ شيء غامضا، غيرَ واضحٍ كالشّبحِ.
2- اِنْزَوَيْتُ عَنْهُمْ: أيْ انفردتُ في زاويةٍ من السَّاحة بعيدا عن بقيّةِ التّلاميذِ.
3- اِعْتَرَتْنِي هَزَّةٌ: اعتراه الأمرُ أيْ ألَمَّ به وأصابَهُ (يُقال: اِعتراهُ المرضُ). الهزّةُ: هي الرعشةُ والانتفاضةُ، سَمِعَ الطفلُ رنَّةَ الجرس فجأة فارتعش واهتزَّ.
4- صَوْتٌ رَهِيبٌ: رَهِبَ: أيْ خَافَ – وَجَدَ هَذَا التِّلميذُ صَوْتَ النَّاقُوسِ رِهِيبًا – أيْ مُخِيفًا- لأنَهُ لَمْ يَتَعَوَّدْ سَمَاعَه.
5- الصَّوْتُ الجَوْهَرِيُّ: هو الصَّوْتُ المُرْتَفِعُ العَالِي.
المعـــانـــي
1- لماذا بدتِ المدرسةُ ومن فيها كأشباحٍ غامضةٍ في مًخيِّلة هذا الطفلِ وهو قادمٌ إليها؟
2- قال الطفلُ: "أَهَذِهِ هي المدرسةُ؟" بم تعلِّلُ هذا السؤَالَ؟
3- لماذا ظهرتِ الفرحةُ على التَّلاميذِ؟ ولماذا اِنْزَوَى هذا الطفلُ عنهم ثمَّ فكَّر في الفرارِ؟
4- لماذا اهتزَّ الطفل لِسَمَاع النَّاقُوسِ؟
5- كيفَ تخْتلِفُ حياتُهُ الجديدةُ بالمدرسةِ عنْ حياتِهِ المنْزِلِيَّةِ السَّالِفَة؟
اعجبني
ردحذف