في انتظار أمين - نصوص أدبيّة - السنة الخامسة ابتدائي
1- جَلَسَتْ عَلَى حَشِيَّتِهَا (1) أَمَامَ المَوْقِدِ تَنْكُتُ النَّارَ بِاَلْمِلْقَطِ (2) مُصَوِّبَةً إِلَى الجَمَراتِ المُلْتَمِعَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا نَظَراتٍ عَميقَةٍ. ثُمَّ تَنَاوَلَتِ الصِّنَّارَتَيْنِ (3) وَقَمِيصًا مِنْ الصُّوفِ الأَبْيَضِ كَانَتْ قَدْ بَدَأَتْ نَسْجَهُ، وَوَضَعَتْ كُبَّةَ الخِيطَانِ (4) فِي حِضْنِهَا، وَاسْتَأْنَفَتِ العَمَلَ. وَأَحَسَّتْ بِالْحَنانِ يَغْمُرُ قَلْبَهَا لَمَّا نَظَرَتْ إِلَى هَذَا القَمِيصِ، فَإِنَّ وَلَدَهَا مَا يَزَالُ يَذْكُرُهَا، وَمَازَالَ يُحِبُّهَا بِالرَّغْمِ مِنْ زَواجِهِ وابْتِعادِهِ عَنْهَا. أَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ هَذِهِ الخِيْطَانَ هَدِيَّةً؟
2 - وَأَظْلَمَتْ الدُّنْيَا، فَنَهَضَتِ الأُمُّ، وَأَشْعَلَتِ القِنْدِيلَ، وَأَلْقَتْ نَظْرَةً عَلَى الطَّعَامِ، وَكَانَتْ قَدْ ذَبَحَتْ، إِكْرَامًا لِزِيَارَةِ أَمِينٍ، دِيكَ دَجَاجَاتِهَا، فَلْتَبْقَ اَلْدَّجَاجَاتُ بِلَا دِيكٍ (5)!
كَانَتِ الأُمُّ تُرْهِفُ أُذُنَيْهَا (6) لِكُلِّ حَرَكَةٍ فِي الخَارِجِ، وَيَقْفِزُ قَلْبُهَا بَيْنَ أَضْلاَعِهَا، وَتَقُومُ إِلَى النَّافِذَةِ صَوْبَ الطَّرِيقِ، تَمْسَحُ الزُّجّاجَ بِكَفَّيْهَا وَتَنْظُرُ. تُرَى لِمَاذَا تَأَخَّرَ؟ هَلِ اِنْقَلَبَتْ بِهِمَا السَّيّارَةُ، هَذِهِ الآلَةُ اَلْجَهَنَّمِيَّةُ، فَحَصَلَ لَهُ حَادِثٌ؟ لَا سَمَحَ اللهُ... (7) أَوْ تَكُونُ امْرَأَتُهُ حَمَلَتْهُ عَلَى قَضَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي المَدِينَةِ قُرْبَ صَوَاحِبِهَا؟ تَكُونُ قَدْ قَالَتْ لَهُ: "القَرْيَةُ! الجَبَلُ! هَلْ تُرِيدُ أَنْ نُضَيِّعَ فِيهِمَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ؟ هَلْ أصْغَى إِلَيْهَا، وَاقْتَنَعَ مِنْهَا وَلَمْ يَرْحَمْ أُمَّهُ؟
3 - كَانَتِ الأُمُّ تُفَكِّرُ فِي هَذِهِ الأُمورِ وَهْيَ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى غُرْفَتِهَا لِتَنَامَ، ثُمَّ قَعَدْتَ فِي فِرَاشِهَا. وَمَا كَادَتْ تُلْقِّي رَأْسَهَا حَتَّى سَمِعْتَ هَدِيرَ سَيَّارَةٍ عَلَى الطَّريقِ حَبَسَ أَنْفَاسَهَا (8)، وَإِذَا الْبَابُ يُدَقُّ دَقَّاتٍ مُتَوَالِيَةَ قَوِيَّةً. هَذِهِ دَقَّتُهُ، إِنَّهَا تَعْرِفُ دَقَّتَهُ، هَكَذَا كَانَ أَبُوهُ يَأْتِي مِنْ قَبْلِهِ...
"توفيق يوسف عواد"
الشرح:
1- الحَشِيَّةُ: فِرَاشٌ مَحْشُوٌ بِالصُّوفِ أَوْ القُطْنِ أَوْ الرِّيشِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
2- تَنْكُتُ النَّارَ بِالمِلْقَطِ: نَكَتَ النَّارِ أَوْ الأَرْضَ: أَيْ ضَرَبَهَا بِعُودٍ أَوْ نَحْوَهُ أَثْنَاءَ التَّفَكُّرِ - المِلْقَطُ: آلَةٌ ذَات سَاقَيْنِ تَسْتَعْمِلُ لِالْتِقَاطِ الجَمْرِ أَوْ الفَحْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا.
3- الصِّنَّارَتَانِ: مُفْرًدُهُمَا صِنَّارَةٌ: وَهْيَ عُصَيَّةٌ مُعَقَّفَةٌ تُسْتَعْمَلُ لِتَشْبِيكِ الخُيُوطِ وَنَسْجِ الأَثْوَابِ الصُوفِيَةِ.
4- كُبَّةٌ الخِيطَانِ: خُيُوطٌ مَلْفُوفٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَتُسَمَّى أَيْضًا كُبَّةُ الغَزْلِ، وَبِهِمَا تُنْسَجُ الأَثْوَابُ أَوْ تُخَاطُ المَلاَبِسُ.
5- فَلْتَبْقَ الدَّجَاجَاتُ بِلاَ دِيكٍ: أيْ لا بَأْسَ وَلاَ ضَرَرَ إِذَا بَقِيَتِ الدَّجَاجَاتُ بِلاَ دِيكٍ. فَالأُمُّ فَضَّلَتْ تَرْكَ دَجَاجَاتِهَا بِلاَ دِيكٍ، وَذَبَحَتْهُ إِكْرَامًا لِابْنِهَا.
6- تُرْهِفُ أُذُنَيْهَا: أُذْنٌ مُرْهَفَةٌ: دَقِيقَةُ السَّمْعِ، والأُمُّ تُرْهِفُ أُذُنَيْهَا: أيْ تُدَقِّقُ السَّمْعَ وتُصْغِي بِانْتِبَاهٍ لِكُلِّ حَرَكَةٍ فِي الخَارِجِ.
7- لاَ سَمَحَ اللهُ: أيْ لاَ قَدَّرَ اللهُ.
8- سَمِعَتْ هَدِيرًا حَبَسَ أَنْفَاسَهَا: حِينَ سَمِعَتِ الأُمُّ دَوِيَّ السَيَّارَةِ قَطَعَتْ أَنْفَاسَهَا لِيَزْدَادَ سَمْعَهَا رَهَافَةً.
المعـــانـــي
1- كيف كانت حالةُ الأمِّ وهي تنتظر ولدَها؟
2- بماذا كانت تُلْهِي نفسها عن طول الانتظار؟
3- ما هي عواطف هذه الأمّ نحو ولدها؟ كيف عبّر عنها الكاتبُ؟
4- لماذا ألقتْ نظرةً على الطّعامِ؟
5- اذكر العباراتِ الدّالةَ على شوق الأمِّ إلى قدوم ولدِها؟
6- ما هي الهواجسُ التي استولت عليها؟ لماذا؟
7- كيف انتهى قلقُها؟
8- بِمَ ذكّرتها عَوْدَةُ ابنها؟
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة