الخصومة - نصوص أدبيّة - السنة الخامسة ابتدائي
1- كُنَّا نُجْرِي تَمْرِينًا كِتَابِيًّا عَلَى كُرَّاسَاتِ القِسْمِ فَصَدَمَنِي صَدِيقِي عَلِيٌّ بِمِرْفَقِهِ، فَاضْطَرَبَتْ يَدِي، وَاِرْتَسَمَ عَلَى كُرَّاسِي خَطٌّ مُعْوَجٌّ بَشِعٌ، وَتَلَوَّثَتِ الوَرَقَةُ بِقَطْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الحِبْرِ. فَغَاظَنِي ذَلِكَ وَشَتَمْتُ صَدِيقِي، فَأَجَابَنِي مُبْتَسِمًا: "إِنِّي مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ عَمْدًا". وَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أُصَدِّقَهُ لِأَنِّي أَعْرِفُهُ طَيِّبَ القَلْبِ، لَكِنَّ اِبْتِسَامَتَهُ سَاءَتْنِي وَأَثَارَتْ غَضَبِي. فَعَزَمْتُ عَلَى الاِقْتِصَاصِ مِنْهُ (1). فَعَمَدْتُ بَعْدَ حِينٍ إِلَى دَفْعِهِ دَفْعَةً شَوَّهَتْ كَامِلَ الصَّفْحَةِ الّتِي كَتَبَهَا. فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ غَضَبًا، وَقَالَ مُهَدِّدًا رَافِعًا يَدَهُ فِي وَجْهِي: "أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَعَمَّدْتَ فَعْلَتَكَ (2). وَلَمَّا أَحَسَّ بِالمُعَلِّمِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَرْخَى يَدَهُ، وَهَمَسَ مُتَوَعِّدًا (3): "سَأَنْتَظِرُكَ عِنْدَ الخُرُوجِ".
2- ثُمَّ هَدَأَ غَضَبِي، وَبَدَأْتُ أَشْعُرَ بِالنَّدَامَةِ، وَتَيَقَّنْتُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَتَعَمَّدْ دَفْعَ يَدِي لِأَنَّهُ لَطِيفُ العِشْرَةِ (4). وَتَذَكَّرْتُ أَيَامَ زُرْتُهُ فِي مَنْزِلِهِ وَهْوَ يَعْمَلُ بِجِدٍّ، وَيُعْنَى فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ بِشُؤُونِ أُمِّهِ المَرِيضَةِ، وَقَدْ اِسْتَقْبَلْتُهُ أَنَا أَيْضًا فِي مَنْزِلِي أَحْسَنَ اِسْتِقْبَالٍ، فَكَانَ مَحَلَّ إِعْجَابِ وَالِدِي (5).
3- لَكِنِّي لَمْ أَتَجَشَّعْ عَلَى التَّنَازُلِ وَالاِعْتِذَارِ، فَقَدْ كُنْتُ أَعْتَبِرُ ذَلِكَ هَوَانًا (6). وَبَقِيتُ أَرْمُقُ عَلِيًّا بِطَرَفِ عَيْنِي، وَأَحْسَسْتُ أَنِّي مَا زِلْتُ أُحِبُّهُ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: "يَنْبَغِي أَنْ أَتَشَجَّعَ" غَيْرَ أَنَّ كَلِمَةَ الاِعْتِذَارِ اِنْحَبَسَتْ فِي حَلْقِي.
أَمَّا عَلِيٌّ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَيَّ خِلْسَةً، فَبَدَا لِي حَزِينًا أَكْثَرَ مِنْهُ غَاضِبًا (7). وَكُنْتُ أُسَدِّدُ إِلَيْهِ نَظَرِي لِئَلاَّ يَظُنَّ أَنِّي خَائِفٌ، فَأَعَادَ: "سَنْلَتَقِي بَعْدَ حِينٍ" وَأَعَدْتُ: "نَعَمْ، سَنَلْتَقِي بَعْدَ حِينٍ".
4- وَلَمَّا صِرْتُ وَحْدِي فِي الطَّرِيقِ أَبْصَرْتُ عَلِيًّا يَتْبَعُنِي، فَتَوَقَّفْتُ وَانْتَظَرْتُهُ وَبِيَدِي مِسْطَرَتِي، وَحِينَ اِقْتَرَبَ مِنِّي، رَفَعْتُ المِسْطَرَةَ، فَقَالَ مُبْتَسِمًا: "لاَ يَا مُصْطَفَى، لِنَعُدْ صَدِيقَيْنِ كَمَّا كُنَّا". ثُمَّ أَزَاحَ المِسْطَرَةَ بِرِفْقٍ، فَبَقِيتُ مَدْهُوشًا، وَأَحْسَسْتُ كَأَنَّ يَدًا تَدْفَعُنِي، وَوَجَدْتُنِي بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ، فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: "لَنْ نَتَخَاصَمَ أَبَدًا وَلْتَدُمْ صَدَاقَتُنَا، أَتُوَافِقُنِي؟ "فَأَجَبْتُ: لَنْ نَتَخَاصَمَ أَبَدًا".
5- وَافْتَرَقْنَا فَرِحَيْنِ، وَعِنْدَمَا وَصَلْتُ إِلَى المَنْزِلِ وَقَصَصْتُ عَلَى أَبِي كُلَّ مَا حَدَثَ، ظَنًّا مِنِّي أَنِّي سَأُفْرِحُهُ، عَاتَبَنِي قَائِلاً: "كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْبُقَهُ إِلَى الاِعْتِذَارِ لِأَنَّكَ أَنْتَ المُخْطِئُ". ثُمَّ أَضَافَ: "مَا كَانَ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَرْفَعَ مِسْطَرَتَكَ فِي وَجْهِ أَحْسَنَ أَصْدِقَائِكَ".
مترجم
-دي أمين"
(بتصرف)
الشرح:
1- عَزَمْتُ عَلَى الاِقْتِصَاصِ مِنْهُ: عزمتُ على أن أُلحِقَ بهِ من الضَّرَرِ مثل ما أَلْحَقَ بي – والقِصاصُ هو أن يُعاقَبَ الجَانِي بمثلِ ما جناه – فالقاتِل يُقتَلُ –.
2- تَعَمَّدْتَ فَعْلَتَكَ: الفَعْلَةُ هي المرّةُ الواحدةُ مِن العملِ، ويُشارُ بها إلى الفَعْلةِ المُسْتنْكرةُ – ظنَّ مُصطفى أنَّ عليّا دفع يده مُتعمِّدا قصْد إفسادِ كتابتِهِ وتلويثِ كراستِهِ.
3- هَمَسَ مُتَوَعِّدًا: هَمَسَ: أيْ تكلّمَ بِصوتٍ خافتٍ لا يكادُ يُسمعُ. تَوَعَّدَ: تَهَدَّدَ – لم يتمكّنْ علِىٌّ مِنَ الانتِقامِ مِنْ رفيقِه لأنَّ المُعلِّمَ كان ينظرُ إليهِما. فاكْتَفَى بِتَهْدِيدِهِ.
4- لَطِيفُ العِشْرَةِ: العِشْرَةُ: المُخالَطةُ والمُصاحَبَةُ. واللَّطيفُ المَعْشَرِ: هو الذي يُخالِطُهُ النَّاسَ ويُصاحِبُونَهُ دون أن يُصيبَهُم مِنْه أذًى.
5- فَكَانَ مَحَلَّ إِعْجَابِ وَالِدِي: أي إنّ أبي كان مُعْجَبًا بِسُلُوكِهِ وحُسْنِ تربيتِهِ.
6- كُنْتُ أَعْتَبِرُ ذَلِكَ هَوَانًا: الهَوَانُ: الذُّلُّ وضدُّهُ العِزَّةُ: إنَّ مُصطفى أحسَّ بأنّه أخْطأَ مع رفيقِهِ وأَحَبَّ أنْ يعتذِرَ له. لكنّ نفْسَهُ لَمْ تُطاوِعْهُ – ولم يستطِعْ أن يَنْطِقَ بكلمةِ "سَامِحْنِي".
7- بَدَا لِي حَزِينًا أَكْثَرَ مِنْهُ غَاضِبًا: كان عَلِيٌّ غاضبًا حزينًا معًا لكنَّ حُزنَهُ يفُوقُ غَضَبَهُ.
المعـــانـــي
1- كَيْفَ اِنْتَقَمَ مُصْطَفَى مِنْ صَدِيقِهِ عَلِيٌّ لِأَجْلِ حَرَكَتِهِ الخَاطِئَةِ؟
2- بِمَاذَا شَعُرَ مُصْطَفَى بَعْدَ أَنْ اِنْتَقَمَ مِنْ صَدِيقِهِ؟
3- لِمَاذَا تَرَدَّدَ فِي تَقْدِيمِ الاِعْتِذَارِ؟
4- كَيْفَ اِنْتَهَتِ الخُصُومَةُ؟
5- أَيُّ الوَلَدَيْنِ أَحْسَنُ فِي نَظَرِكَ؟ لِمَاذَا؟
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة