بحث حول أطوار ومراحل الحرب العالمية الثانية
أطوار الحرب العالمية الثانية
انطلقت الحرب العالمية الثانية من القارة الأوروبية في مطلع سبتمبر 1939 فتميّزت في بدايتها بالانتصارات الألمانية الساحقة التي سهّلها أتباع خطّة الحرب الخاطفة. لكن الجيش الألماني اصطدم بإنقلترا التي استطاعت، رغم انعزالها وإنهاكها، من الصمود في الجزر البريطانية وعلى البحار وفي شمال إفريقيا. ولئن استفاد الاتحاد السوفياتي من هذه المهنة باحتلال مناطق بولونية، وفنلندية، ورومانية فإنه سرعان ما استهدف إلى الغزو الألماني ففقد مناطق شاسعة من ترابه. لكن رغم هذه الانتصارات لم يتمكن هتلر من فرض السلم على أعدائه.لقد تحوّلت الحرب الأوروبية سنة 1941 إلى حرب عالمية حين امتدّت العمليات العسكريّة إلى المحيط الهادي بتدخّل الولايات المتحدة بعد أن حطّم اليابانيون أسطولها في قاعدة بيرل هاربور. فتوازنت القوى خلال 1942 رغم سيطرة قوات الحوار على الموقف في جميع الجبهات.
ولقد حدث المنعطف الحاسم في مجرى الحرب منذ بداية 1943 حين هزم السوفيات الجيش الألماني في ستالينغراد، واستسلمت قوات المحور في شمال إفريقيا بينما تمّ إيقاف التوسّع الياباني في المحيط الهادي.
أصبحت المبادرة الهجومية لصالح الحلفاء الذين قاموا باقتحام "القلعة الأوروبية" في الجبهة الغربية بعد إنزال قواتهم على السواحل الإيطالية والفرنسية وتحرير فرنسا، بلجيكا، هولندة، واحتلال إيطاليا. أما على الجبهة الشرقية فقد أدّى زحف الجيش الأحمر إلى تخليص دول أوروبا الشرقية من النفوذ النازي، واجتياح التراب الألماني إلى أن استسلمت ألمانيا في 8 ماي 1945. فانتهت بذلك الحرب في أوروبا ولم تضع أوزارها في آسيا إلا بعد أن أسقط الأمريكيون قنبلتيهما الذريتين على مدينتي هيروشيما وتغازاكي اليابانيتين في شهر أوت 1945.
I- انتصارات المحور الساحقة:
أ- دعائم التفوّق الألماني:
تمكّنت الجيوش الألمانيّة من غزو عدّة دول أوروبية بسرعة مذهلة: بولونيا والنرويج وهولندة وبلجيكا وفرنسا. وقد تسنّى لها ذلك بفضل طريقة حربية جديدة عرفت بالحرب الخاطفة. لقد اعتمد الجيش الألماني (WERMACHT) على عدد وافر من الجنود وعلى تجهيز حربي عصري وامتاز على الجيوش الحليفة بتنظيمه المحكم وخاصة بأساليبه الحربية. فبينما ركنت القوات الحليفة وخاصة الفرنسية إلى اتباع طريقة عسكريّة دفاعية بحتة، جسمها خط ماجينو، انتهجت القيادة الألمانية الهجوم الشامل والمباغت. ولقد وضع الجنرال قوديريان (GUDERIAN) هذه الخطة التي تعتمد الاستعمال المكثف للمصفحات في إطار وحدات تعمل بحريّة (Panzerdivisionen). ويتمثّل هدفها في اختراق جبهة العدو ثم التوغل بسرعة متناهية لمحاصرته ومنعه من إقامة جبهات خلفية. ويلعب سلاح الجو (Luftwaffe) دورا هاما في هذه الهجومات وخاصة الطائرات القاذفة "شتوكا" التي تقوم بتغطية تقدّم المصفحات، بقصف مكثف لمواقع العدو. فينعدم استقرار الجهات مما يسمح للقوات المغيرة بأن تزحف بسرعة فائقة.ب- بداية الانتصارات الألمانية مع سحق بولونيا:
لما ظهرت مشكلة الممر البولوني، اعتمد هتلر كالعادة على احتمال تراجع الديمقراطيات، بيد أن هذه الأخيرة صمّمت على عدم قبول "مونيخ ثانية"، لذلك أعلنت إنقلترا ثم فرنسا الحرب على ألمانيا بعد يومين من اجتياز الجيش النازي للحدود البولونية في 1 سبتمبر 1939. تمكّنت القوات الألمانية، في ظرف ثلاثة أسابيع، من احتلال المنطقة البولونية الغربية ثم العاصمة فرصونيا رغم مقاومتها العنيفة. وفي نفس الوقت قامت الجيوش السوفياتية باحتلال المناطق الشرقية طبقا للاتفاق السري الألماني السوفياتي، بينما لازمت فرنسا وإنقلترا موقف الملاحظ حيث احتمت القوات الفرنسية وراء خط ماجينو دون الالتحام مع القوات الألمانية. وقد نتج عن هذه "الحرب العجيبة (Drôle de Guerre) تحطيم معنويات الجيش الفرنسي الذي بقي ينتظر الهجوم الألماني.ج- الجبهة الشمالية:
اغتنم الاتحاد السوفياتي فرصة الهجوم النازي على بولونيا فشن منذ ديسمبر 1939 حربا ضد فنلندا التي رفضت مطالب ستالين الأقليمية لتأمين ليننغراد المتاخمة للتراب الفنلندي، وتمّكن الجيش السوفياتي من انتزاع منطقة كاريلي (مارس 1940) كما استولى على دول البلطيق وبارابيا. ومنذ ذلك الحين أصبحت الدول الإسكندنافية مركز اهتمام الدول المتحاربة حيث حاولت فرنسا وإنقلترا قطع الطريق التي تتلقى بواسطتها ألمانيا الحديد السويدي انطلاقا من ميناء نارافيك (NARVIK) النرويجي لكن ألمانيا أدركت قيمة السواحل الاسكندنافية في محاصرتها اقتصاديا وأهمية استعمالها كقاعدة لتهديد الجزر البريطانية. فاستغل هتلر تلغيم مياه النرويج من طرف الأنقليز ليحتل الدانمارك (9 أفريل 1940) وأهم المواني النرويجية ويتم احتلال كامل النرويج بعد انسحاب القوات الانقليزية من نارفيك.د- انهيار فرنسا:
شرعت ألمانيا في عملياتها العسكرية على الجبهة الغربية منذ شهر ماي 1939 فخوّل لها تطبيق خطّة مانستاين (MANSTEIN) غزو هولندة واللكسمبورغ وخرق الحياد البلجيكي ثم اجتياح هضاب الأردان واختراق الجبهة الفرنسية الانقليزية في مستوى سدان (SEDAN) والتوغل في اتجاه الشمال الغربي. ورغم تغيير قيادتها (تعويض غاملان بوغان) تراجعت القوات الحليفة نحو دانكارك (DUNKERQUE) حيث وقع اجلاؤها تحت القصف المكثف للطائرات الألمانية. ولقد عجز الجيش الفرنسي عن صد التقدّم الألماني فتقهقر بصفة فوضويّة مما جعل العديد من المدنيين ينزحون نحو الجنوب فرارا من الجيش النازي. وبينما أعلنت إيطاليا الحرب على فرنسا في 10 جوان 1940 بغية الحصول على نيس وكورسيكا، تواصل الزحف الألماني فسقطت باريس في 14 جوان 1940. لقد ولّد هذ الانهيار العسكري أزمة وزارية فرنسية أدّت إلى تشكيل حكومة الماريشال بيتان الذي وقع الهدنة في ألمانيا في 21 جوان 1940 ومع إيطاليا في 24 جوان 1940. وطبقا لذلك احتلّت ألمانيا ثلاثة أرباع التراب الفرنسي بينما حافظت فرنسا على مستعمراتها، وخضعت "المنطقة الحرّة" من ترابها لحكومة بيتان التي استقرّت بمدينة فيشي (VICHY) ودعت إلى التعامل مع النازيين. وفي هذه الظروف التحق الجنرال دي غول بلندن وأصدر بيانه الداعي لمواصلة المقاومة وأسّس منذ 20 جوان 1940 حكومة "فرنسا الحرّة".أ- معركة إنقلترا:
بينما كان العالم يتوقّع استسلام إنقلترا بعد انهيار فرنسا أعلن الوزير الأول وينستون تشرشل مواصلة المقاومة ضد النازية رغم عزلة بلده وفي 20 جويلية 1940 أمر هتلر بإعداد عملية إنزال على السواحل الانقليزية ممهّدة بقصف جوّي عنيف. وقد شرع في تطبيقها منذ 8 أوت 1940 بصف المواقع الساحلية. لكن استعمال الرادار ومهارة الطيارين الانقليز جعل القصف الألماني يتركّز ليلا على المدن الآهلة وخاصة الصناعية مثل لندن وكوفنتري لإرغام الانقليز على الاستسلام، لكن أمام فداحة خسائر سلاح الجو الألماني (2000 طائرة خلال شهرين) عدل هتلر عن الغزو حيث أمر الماريشال غورينغ (7 أكتوبر) بوقف الغارات الجوية على إنقلترا، لكنه التجأ إلى محاولة عزلها عن مستعمراتها بالسيطرة على الطرق البحريّة.
ب- النزاع في البحر الأبيض المتوسط:
تركّزت العمليات العسكريّة في أواخر 1940 على ضفاف البحر الأبيض المتوسط فظهرت مناطق نزاع جديدة في البلقان وليبيا.
- البلقان: قامت الجيوش الإيطالية بمحاولة احتلال اليونان انطلاقا من ألبانيا لكنها فشلت نظرا لتدخّل القوات الانقليزية المتمركزة بمالطة. ولاجتناب تركيز رأس جسر انقليزي بالبلقان احتلّ الجيش الألماني يوغسلافيا واليونان خلال شهر أفريل 1941، بعد أن أمّن تحالف المجر ورومانيا وبلغاريا مع "الرايخ"، ثم قام المظليون الألمان بالسيطرة على جزيرة كريت في ماي 1941 فأصبحت بذلك المواقع الانقليزية في حوض البحر الأبيض المتوسط مهددة.
- ليبيا: شنّ الإيطاليون منذ سبتمر 1940 هجوما على القوات الانقليزية في مصر لكن الجيش الانقليزي الثامن المدعّم بجنود المستعمرات تمكّن من صدّها وملاحقتها داخل التراب الليبي حتى العقيلة، فسارع هتلر لنجدة الإيطاليين بإرسال الجيش الافريقي (AFRIKA KORPS) بقيادة رومل الذي دحر الانقليز وطاردهم حتى وصل إلى العلمين. وأصبح يهدّد مباشرة منطقة القناة وبترول الشرق الأوسط خاصة وأن حكومة فيشي رخّصت للطيران والبحريّة الألمانية باستعمال المطارات والمواني السوريّة وشجّعت ألمانيا قيام حكومة مناهضة لمصالح الانقليز ببغداد فما كان من الانقليز إلا أن احتلّوا العراق وسوريا ولبنان (مارس – جويلية 1941) بمساعدة قوّات فرنسا الحرّة، فسيطروا بذلك على آبار البترول.
ج- التقارب الانقليزي الأمريكي:
بعد فشل معركة إنقلترا فكّر الألمان في محاصرتها اقتصاديّا بشن حرب الغواصات في المحيط الأطلسي وشل حركة الملاحة عبره. ولقد تمكّنت الغواصات الألمانية من تدمير العديد من البواخر التجارية والحربية الانقليزية والحليفة وحتى المحايدة. وإزاء انعدام الأمن في المحيط الأطلسي أصبحت المصالح التجارية الأمريكية مهددة نظرا لارتباطها بالسوق الأوروبية وخاصة الانقليزية. لذلك توصّل الرئيس روزفيلت إلى حمل الكونغرس في مارس 1941 على المصادقة على قانون الإعارة والتأجير (Prêt – Bail) الذي يخوّل تزويد الدول المهددة والتي لها مصالح حيوية مع الولايات المتحدة بما تحتاجه في شكل قروض. وقد استغلت إنقلترا هذا القانون لتدعّم مجهودها الحربي. ثم تأكّد هذا التقارب الانقليزي الأمريكي بإعلان "الميثاق الأطلسي" 14 أوت 1941 الذي يتعهد فيه تشرشل وروزفيلت بعدم التوسّع، وضمان حق الشعوب في تقرير المصير وتحطيم النازيّة.
3) الجبهة الشرقيّة الجديدة:
أ- دوافع الصدام الألماني السوفياتي:
نشبت الحرب بين ألمانيا النازيّة والاتحاد السوفياتي لعدّة أسباب من أهمّها التناقض الإيديولوجي للنضامين رغم إبرامها معاهدة عدم الاعتداء في أوت 1939. وقد احتدّ هذا التناقض بتصادم نفوذ البلدين في أوروبا الشرقيّة منذ أن توسّع الاتحاد السوفياتي على حساب فنلندا ودول البلطيق ورومانيا، ومنذ أن بسطت ألمانيا نفوذها على أوروبا الدانوية وخاصة بلغاريا التي اعتبرها الاتحاد السوفياتي جزءا من منطقة نفوذه. وقد اتضح هذا العداء عندما أبرمت مع إيطاليا واليابان الحلف الثلاثي في 27 نوفمبر 1940 (Pacte Tripartite) وأخيرا جاءت مهاجمة الاتحاد السوفياتي من طرف ألمانيا تطبيقا لبرنامج الحزب النازي الذي أقرّ التوسّع نحو الشرق.
ب- اجتياح التراب السوفياتي:
فكّر هتلر في الاعتداء على الاتحاد السوفياتي منذ سبتمبر 1940 عندما أمر بإعداد مخطط برباروسا (BARBAROSSA) القاضي بحقّه حتى تفقّد إنقلترا إثره كل أمل في مواصلة المقاومة. وقد اكتسحت القوات الألمانية في 22 جوان 1941 الحدود السوفياتية على طول 1800 كلم بمساعدة الفنلنديين في الشمال، والمجريين والبلغاريين والرومانيين في الجنوب. وسخّر هتلر قوات ضخمة (10000مصفحة، و 3000 طائرة) لمباغتة الجيش الأحمر ومحاولة احتلال آكرانيا وموسكو وليننغراد قبل حلول الشتاء. فاستغلّ الجيش النازي عدم استكمال استعداد الجيش الأحمر ليحتلّ في ظرف وجيز مناطق البلطيق وروسيا البيضاء وجزءا هاما من أكرانيا وأشرف على موسكو. لكن رغم هذه الانتصارات، لم يتمكّن هتلر من فرض السلم إذ قام القائد العام السوفياتي جوكوف (JOUKOV) بإعادة تنظيم الجيش في المراكز الخلفيّة واستغل الأحوال الجويّة القاسية لشتاء 1941/1942 ليرغم الألمان على التراجع على مسافة 100 كلم. لقد فشل مخطّط هتلر إذ انقلبت الحرب الخاطفة إلى حرب استنزاف في ظروف طبيعية استثنائية.
II- الحرب الشاملة وتوازن القوى:
1)- اتساع رقعة الحرب (الحرب اليابانية الأمريكية في المحيط الهادئ):
أ- التدخّل الأمريكي المباشر في الحرب:
منذ إعلان "الميثاق الأطلسي" جنحت الولايات المتحدة إلى تدخّل تدريجي في الحرب حيث قرّرت حماية العتاد الحربي الموجّه إلى إنقلترا بدوريّات بحريّة أمريكية وتسليح السفن التجارية الأمريكية. ولقد ساهمت السياسة اليابانية في الشرق الأقصى في تصعيد هذا التدخّل حيث استغل اليابانيون انهيار فرنسا وهولندا، والصعوبات الانقليزية لفرض هيمنتهم على المستعمرات الأوروبية ومنع الإمدادات الأمريكية من الوصول إلى الصين كما تمكّنوا من إقامة قواعد بحريّة وجويّة في التونكان (TONKIN) والانام (ANNAM) واستغلال بترول ومطاط أندونيسيا على حساب إنقلترا والولايات المتحدة. ممّا جعل هذه الأخيرة تعلن في أواخر القرن 1940 الحضر على المواد الأساسية الموجهة لليابان فتوتّرت علاقات البلدين رغم إجراء مفاوضات ثنائية وفي حين فشلت هذه المفاوضات قامت القوات الجويّة اليابانية في 7 ديسمبر 1941، وبدون إعلان الحرب بتدمير أهم قاعدة بحريّة أمريكية في المحيط الهادي بيرل هاربور (PEARL HARBOR) مما حدا بالكنغرس الأمريكي إلى إعلان الحرب على اليابان في 8 ديسمبر 1941. فقامت ألمانيا وإيطاليا من جهتها بإعلان الحرب على الولايات المتحدة تطبيقا للحلف الثلاثي.
ب- المد الياباني في جنوب شرقي آسيا:
لقد مكّن انتصار بيرل هاربول اليابان من الهيمنة بسرعة مدهشة على جزر المحيط الهادي بتعدّد عمليات الإنزال فوقع احتلال أرخبيل الماربان في 15 ديسمبر 1941، ثم هونغ كونغ في 25 ديسمبر 1941، وجزر الفيليبين في 3 جانفي 1942. وانطلاقا من الهند الصينية استطاع اليابانيون أن يسيطروا على سنغفورة في 15 فيفري 1942 ثم النزول ببرمانيا. وتواصل هذا التوسّع في جنوب المحيط الهادي باحتلال جزر سليمان (SALOMON) في مارس 1942 وجزر بسمارك وقسم من غينيا الجديدة فأصبحت بذلك أستراليا مهددة بصفة مباشرة. كانت قوات المحور في أواخر 1941 وبداية 1942 منتصرة على جميع الجهات لكنها لم تتمكن من فرض سلمها على العالم.
2) الهيمنة النازيّة على أوروبا:
أ- وطأة الاحتلال النازي:
تسخير الطاقات الأوروبية: كانت ألمانيا خلال 1942 تسيطر على القارة الأوروبية، فتمكّنت من وضع نظام أوروبي جديد يخوّل لها استثمار هذا "المجال الحيوي" لتدعيم اقتصادها ومجهودها الحربي. فقامت باستغلال الثروات الطبيعية والطاقات البشرية للبلدان المحتلة. من ذلك أن الألمان عملوا إلى تفكيك المعامل ونقلها إلى بلادهم، ونهب بترول رومانيا، وقمح أكرانيا وقد انتزعت هذه المنتوجات بأثمان زهيدة، إن لم تكن مجانية. كما أجبر سكان المناطق المحتلة على دفع الضرائب وكفالة جيش الاحتلال. ففي فرنسا مثلا راقب الألمان 15% من إنتاج القمح و 40% من الصلب و 20% من اللحوم وأغلبية الصناعات الآلية وامتدّ الاستغلال إلى اليد العاملة حيث قامت ألمانيا بنقل الملايين من الأوروبيين وخاصة السوفيات والبولونيين، إلى معسكرات العمل الإجباري بألمانيا حيث ارتفع عددهم خلال سنة 1944 إلى 5 ملايين عامل بالإضافة إلى التشغيل الإجباري لأسرى الحرب.
ب- المقاومة وأشكال القمع النازي:
ظهر في المناطق الأوروبية المحتلة تيّار دعا إلى التعامل مع النازيين (حكومة فيشي) بينما واجه الاحتلال النازي المقاومة الداخلية للأنصار (Les Partisans) خاصة في الاتحاد السوفياتي وفرنسا ويوغسلافيا وبولونيا واليونان وقد تعدّدت مجموعات الأنصار التي قامت بمد الجيوش النظامية الحليفة بمعلومات عسكريّة عن العدو وبعرقلة تقدّمه. ففي روسيا، ومنذ بداية الحرب مع ألمانيا، تشكّلت في المناطق المحتلة عدّة مجموعات أنصار فاق عددها 250000 مناضلا، أرغمت الجيش الألماني على تخصيص 10% من قواته لمقاومة الأنصار مما خفّف حدّة الضغط على الجيش الأحمر. وفي فرنسا استجاب الأنصار إلى الجنرال دي غول بتنظيم مقاومة داخل التراب المحنل ركّزت عملها على الاتصال بلندن لمد الحلفاء بمعلومات عسكرية هامة، وعلى ضرب المصالح الألمانية ومطاردة المتعاملين. ولقد أحكم تنظيم هذه الحركة بتكوين مجلس قومي للمقاومة ترأسه جان مولان، بينما انبثق عن تصاعد المقامة بتشكيل "جيوش فرنسية داخلية" وفي يوغسلافيا قاد الشيوعيون بزعامة بروز تيتو مقاومة الاحتلال النازي فشملت هذه الحركة عشرات الآلاف من المناضلين الذين تمكّنوا من تحرير البلاد في سنة 1945. وجابه الاحتلال النازي تصاعد المقاومة بقمع وحشي حيث كثّف البوليس السياسي (GESTAPO) الاعتقالات، وتجميع اليهود والمعارضين والشيوعيين والمقاومين داخل محتشدات العمل أو معسكرات الإبادة وقد جسّمت هذه السياسة النظرية العنصرية القاضية بامتياز العنصر الآري على بقية الأجناس وخاصة السامية. ولقد هلك نتيجة للتعسف النازي 7 ملايين أوروبي من مجموع 12 مليونا دخلوا هذه المحتشدات التي بلغ عددها حوالي الألف من أهمها: داشو (DACHAU) بلسن (BELSEN) بوشنوالد (BUCHENWALD) أوشوبتر (AUSCHWITZ)...
3) منعطف الحرب:
أ- صمود ستالينغراد:
قرّر هتلر في ربيع 1942 القيام بعمليات واسعة النطاق في الجنوب السوفياتي لاحتلال القوفاز والسيطرة على آبار البترول في منطقة باكو، ثم الوصول إلى الفولغا والالتفاف حول موسكو. وقد استغل هتلر انعدام جبهة أوروبية ثانية لرصد معظم القوات الألمانية لهذا الهجوم. وقد شرع في تنفيذ هذا الهجوم في جوان 1942 حيث عبرت القوات الألمانية نهر الدون (DON) حيث بلغت القوقاز وأشرفت على الفولغا لكن المعارك تركّزت على ستالينغراد التي تحوّلت إلى "مدينة جبهة" جسّمت الصراع بين عالمين متعاديين. ولقد تعذّر على الألمان السيطرة على المدينة نظرا لصمود وبسالة الجيش الأحمر وأهالي المدينة. ولقد تحدّث أحد الضباط الألمان على ضراوة المعارك بقوله "لكي نصل إلى الفولغا علينا أن نقطع كيلومترا واحدا. لكننا لا نتمكن من قطعه، ها قد خضنا صراعا من أجل هذا الكيلومتر أطول من الحرب التي خضناها للاستيلاء على فرنسا بأسرها". وفي نوفمبر 1942 شنّ الجيش الأحمر هجوما مضادا عنيفا، مكّنه من اختراق الجيش الألماني وتطويق جزء هام منه في ستالينغراد. ثم شرعت القوات السوفياتية في جانفي 1943. في القضاء على القوات الألمانية المحاصرة حتى استسلم قائدها بولوس (PAULUS) 2 فيفري 1943 بعد هلاك 147000 جندي وأسر 91000 جندي وتسلّم كميات ضخمة من الأسلحة. اكتسى هذا النصر السوفياتي أهميّة بالغة في مجرى الحرب، إذ حطّم أسطورة الجيش النازي الذي لا يهزم، ورفع من معنويات جيوش الحلفاء.
ب- تراجع "الجيش الإفريقي":
في جوان 1942 تمكّن رومل من تتبّع القوات الأنقليزية حتى العلمين إلا أن الهجوم المعاكس الذي شنّه الجيش الثامن الانقليزي بقيادة منتغمري أسفر عن هزيمة قوات المحور في معركة العلمين (3 نوفمبر 1942) وأجبر رومل على التراجع نحو الغرب. ولقد تغيّرت معطيات الحرب في شمال افريقيا خاصة بعد إنزال الجيوش الحليفة بالدار البيضاء، والجزائر ووهران بداية من 8 نوفمبر 1942 طبقا لتخطيط الجنرال الأمريكي ايزنهاور فقام هتلر باحتلال ما تبقى من التراب الفرنسي في 11 نوفمبر 1942 وأنزلت قوات المحور بتونس ( 12 نوفمبر 1942) للتصدّي لزحف الحلفاء من الغرب والجنوب، بينما تراجع رومل نحو الغرب في جانفي 1943، للمحافظة على تونس. لكن زحف الجيوش الحليفة الانقليزية والامريكية من الغرب وقوّات "فرنسا الحرة" القادمة من التشاد بقيادة لكلارك تمّكنت من محاصرة قوات المحور في الوطن القبلي (ماي 1943). فقد المحور إذن مركزا هاما إذ أصبح في إمكان الحلفاء مهاجمة "القلعة الأوروبية" انطلاقا من تونس.
ج- إيقاف التوسّع الياباني:
بعد كارثة بيرل هاربور هيمن اليابان على معظم جزر المحيط الهادي وأصبحت أستراليا وزيلندا الجديدة مهددتين بالغزو الياباني فاستعملت الولايات المتحدة حاملات الطائرات الضخمة كقواعد حربيّة عائمة لمنع التقدم الياباني نحو هذه البلدان. ورغم هزيمته في بحر المرجان (7-9ماي1942) وفي ميداوي (4 جوان 1942) فقد تمكّن اليابان في جويلية 1942 من الاستيلاء على جزيرة واد القنال التي اعتزم الأمريكان اتخاذها قاعدة لهجوماتهم. فخاضوا معركة بحريّة صاربة انتهت بطرد اليابانيين من هذه الجزيرة في فيفري 1943، فتوقّف بذلك التوسّع الياباني في المحيط الهادي وانتقلت مبادرة الهجوم إلى الأمريكان خاصة وأن سلاحهم الجوّي قد سيطر على المنطقة.
III- انتصار الحلفاء (انهيار المحور).
1) اختراق الحصن الأوروبي: تحرير أوروبا الغربية:
أ- إنزال قوات الحلفاء في صقلية:
تمكّن الحلفاء من فتح جبهة جديدة في أوروبا الجنوبية بإنزال قواتهم في جزيرة صقليّة، انطلاقا من تونس في جويلية 1943. ولقد شكّل هذا الحدث أهميّة عسكريّة بالغة إذ كان أوّل "رأس جسر" ينجح الحلفاء في وضعه بالقرب من القارة الأوربية. ولقد نجم عن هذا الحدث احتداد أزمة الأوضاع الداخلية في إيطاليا.ذلك أن موسيليني اطضرّ أمام خطورة الوضع العسكري والاقتصادي، إلى دعوة المجلس الفاشي الأعلى الذي أجبره على التخلي عن الحكم في 24 جويلية 1943 فتشكّلت حكومة بادوليو (BADOGLIO) التي تفاوضت مع الحلفاء لتعقد الهدنة في 3 سبتمبر 1943. عندئذ انقضت القوات الألمانية على إيطاليا لتمنع تقدّم الحلفاء نحو روما وتمكّنت من إطلاق سراح موسوليني الذي أسّس في شمال البلاد الجمهورية الفاشية الإيطالية. وأمام هذا الصّمود الألماني وجب النظر في إمكانيّة فتح جبهة أوروبية أخرى ناقشها مؤتمر طهران الذي ضمّ في نوفمبر 1943 روزفيلت وستالين وتشرشل وأقرّ مهاجمة "الحصن الأوروبي" على ثلاث جبهات: الغرب والجنوب والشرق. وفي ماي 1944 استطاعت جيوش الحلفاء بإيطاليا، اختراق جبل كاسينو فسقطت روما في 4 جوان 1944 بين يدي الجيش الفرنسي – المغربي بقيادة الجنرال جوان.
ب- إنزال القوات الحليفة في النورماندي:
أعدّ الجنرال ايزنهاور خطة "اوفرلند" (OVERLAND) التي وعد بها ستالين والرامية إلى فتح جبهة جديدة في شمال فرنسا. وفي 6 جوان 1946 قامت أعداد كبيرة من بواخر الحلفاء، محميّة بغطاء جوي كثيف، بإنزال الآلاف من الجنود وكميات ضخمة من العتاد الحربي بسواحل النورمندي ثم تمكّنت الجيوش الأمريكية من اختراق الجبهة الألمانية في افرانش (AVRANCHES) وتجاوز "الجدار الأطلسي" فاضطرّ الجيش الألماني إلى التراجع إلى المراكز الخلفية أمام تقدّم المدرعات الحليفة بقيادة الجنرال باتون (PATTON). فحمل هتلر القادة ونشتاد ورومل مسؤولية الهزيمة وعزلهما. لكنه استهدف في نفس الوقت إلى محاولة اغتيال فاشلة، قام بقمع الضباط وفرض على رومل الانتحار. وفي هذه الأثناء تمّ إنزال قوات أمريكيّة جديدة بالجنوب الفرنسي في 15 أوت 1944 بين نيس وتولون. تمكّنت من احتلال مرسيليا وتولون وتقدمت نحو الشمال، عبر منخفض الرون مدعمة بالقوات الفرنسية الداخلية وثارت باريس لتتحرّر في 25 أوت 1944 بدخول قوات الحلفاء (لكلارك). ولتفادي المحاصرة، تراجع الجيش الألماني في اتجاه الشمال الشرقي بينما واصل الحلفاء زحفهم إلى أن حرّروا أغلبيّة التراب الفرنسي والبلجيكي في نهاية 1944.
2) انتصار الجيش الأحمر:
أ- تحرير غربي الاتحاد السوفياتي:
استطاعت الجيوش السوفياتية، رغم عدم وجود جبهة في أوروبا الغربية، من تحرير جزء كبير من أراضيها المغتصبة حيث أصبحت المبادرة لصالحها منذ منعطف ستالينغراد. وقد تسنى لها ذلك نظرا للمجهود الاقتصادي الضخم الذي وفّر كميات مهولة من العتاد الحربي خاصة بعد إجلاء المنشآت الصناعية إلى مناطق سيبيريا وآسيا الوسطى وإقامة مصانع جديدة، ولقد أنتجت هذه المصانع بين 1943 و 1945، 30000 دبابة وحوالي 40000 طائرة و 120000 مدفعا مما جعل العتاد الحربي السوفياتي يفوق لأول مرّة العتاد الألماني. انطلق الهجوم السوفياتي منذ ربيع 1943 وتمكّن الجيش الأحمر بقيادة الجنرال مالينوفسكي من تحرير أكرانيا والقرم في جانفي 1944 بينما تمكّن الجنرال كونياف من الوصول إلى جبال القرباط فتركّزت الجبهة خلال 1944 على حدود دول البلطيق على بعد 400 كلم من فرصونيا.
ب- تحرير أوروبا الشرقيّة:
في صائفة 1944، وبينما أنزلت القوات الحليفة على التراب الفرنسي، شرع الجيش الأحمر في شن هجوم واسع النطاق، وقوي جدا، عبأ أكثر من 10 ملايين جندي داخل 600 فرقة، 110 منها مصفحة، وتوّج هذا الهجوم في الشمال باحتلال بلدان البلطيق وفنلندا في سبتمبر 1944، وفي الوسط باحتلال فرصوفيا. أما في الجنوب الشرقي للجبهة فقد قام الجيش الأحمر بسلسلة من الهجومات الخاطفة أرغمت رومانيا وبلغاريا على الاستسلام (سبتمبر – أكتوبر 1944) ثم دخل السوفياتيون يوغسلافيا وحرروا ألبانيا (نوفمبر 1944) وعندما شنّ هتلر آخر هجوم معاكس في منطقة الأردان طلب تشرشل من ستالين التعجيل بتحرير أوروبا الشرقية فتوغّلت الجيوش السوفياتية في بروسيا الشرقية وبولونيا والمجر (ديسمبر 1944) والنمسا (أفريل 1945) وفي هذه الأثناء استغل الأنقليز جلاء القوات الألمانية عن اليونان ليحتلوها قبل وصول الجيش الأحمر.
3) انهيار قوّات المحور:
أ- استسلام ألمانيا:
منذ أوائل 1945 شرع الحلفاء في القيام بعمليات عسكريّة في اتجاه ألمانيا، بينما صمّم هتلر على مواصلة الحرب إلى آخر لحظة لأنه كان يعوّل على استعمال أسلحة جديدة مثل القنابل الطائرة ف 1 و ف 2 وتطوير الغواصات والقاذفات وعلى إمكانيّة التوصّل إلى صنع القنبلة الذريّة. وفي بداية ربيع 1945 شرع الحلفاء في تنفيذ خطّة غزو التراب الألماني حسب مقررات ندوة يالطا، فتجاوزت القوات الفرنسية نهر الراين في مارس 1945 وهاجمت البافيار، في حين احتلّ الحلفاء شمال إيطاليا بعد اختراق جبهة الابينان (APENNIN) وفي نفس الوقت تكثفت الغارات الجوية على المدن والمنشآت الصناعية الألمانية وخاصة منطقة الروهر. أما على الجبهة الشرقية فقد واصل الجيش الأحمر تحت قيادة جوكوف وكونياف هجوماته حتى بلغ برلين وحاصرها. عندئذ فقد هتلر كل أمل في مواصلة الحرب وانتحر في 30 أفريل 1945 مع قوبلز وتلاهما هيملر بعد أن أسرّ من طرف الأنقليز. وقد قام الحلفاء بأسر أهم الزعماء النازيين (الذين حوكموا من بعد في نورنبارغ). وسقطت برلين بعد معارك عنيفة في 2 ماي 1945، ثم ببرلين مع السوفاتيين في 8 ماي 1945. فانتهت بذلك الحرب في أوروبا.
ب- نهاية الحرب العالمية الثانية:
تمكّنت الولايات المتحدة منذ أوائل 1943 من المبادرة بالهجوم، مستغلة طاقاتها الضخمة. وقد اعتمد الأسطول الأمريكي في هجومه على احتلال الجزر تباعا، وذلك بتعديد عملية إنزال "المارينس". في الشمال عمد الأميرال نيمتس (NIMITZ) إلى احتلال جزر جيلبار (نوفمبر 1943) وجزر مارشال (جانفي 1944) وغوام (سبتمبر 1944). وفي الجنوب قام الجنرال ماك آرثور (Mc ARTHUR) مدعّما بالاستراليين، باحتلال الفيلبين بصعوبة (فيفري 1945) وبعد أن احتلّ الأمريكان جزيرة أوكيناوا (جوان 1945) ركّزوا بها قواعد جويّة انطلقت منها طائرات عملاقة لقصف المدن الصناعية في وسط وجنوب اليابان. ولكن اليابانيين أبدوا شجاعة متناهية في الدفاع عن مواقعهم، وأمام هذا الإصرار الياباني وتفاديا لخسائر بشرية إضافية، ولتجربة أحدث الأسلحة قرّر الرئيس الأمريكي، ترومان الذي خلّف روزفيلت المتوفي في أفريل 1945 التعجيل بإنهاء الحرب وذلك باستعمال القنبلة الذرية. فألقيت قنبلة أولى في 6 أوت 1945 على هيروشيما دمّرت 60 % من المدينة وقضت على ما يفوق 150000 شخصا، ثم ألقيت قنبلة ثانية على تغازاكي في 9 أوت 1945. وفي نفس الوقت أعلن الاتحاد السوفياتي الحرب على اليابان في 8 أوت فغزت قواته منشوريا وكوريا طبقا لمقررات ندوة يالطا. واستسلم اليابان بدون شرط في 19 أوت 1945. وهكذا انتهت الحرب العالمية الثانية.
ليست هناك تعليقات:
حتى تصبح عضوا في الموسوعة المدرسية انزل إلى أسفل الصفحة