بحث حول نتائج الحرب العالمية الثانية
نتائج الحرب العالمية الثانية
بينما تركزت الحرب العالمية الأولى على القارة الأوروبية، امتدت الحرب العالمية الثانية إلى عدة قارات، فكانت مخلفاتها المادية أفدح. لقد سخرت الدول المتحاربة خلال ستة سنوات، طاقاتها العلمية والتقنية لخدمة أهدافها العسكرية، فشمل الدمار مناطق شاسعة وبلغت الخسائر المادية حدا مهولا. ولئن أنهكت الحرب القارة الأوروبية بدرجة أولى فإنها مكنت عدة دول أخرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية من تدعيم اقتصادها على الصعيد العالمي.انبثقت عن الحرب العالمية الثانية أوضاع متأزمة، إذ ولد هولها، عند الإنسان الأوروبي خاصة، شعورا بالحيرة واليأس والتشاؤم، نتج عنه ظهور تيارات ثقافية مختلفة، وفي الميدان السياسي، شهدت الدول الأوروبية، رغم انتصار الحلفاء، فراغا سياسيا تجسم في انقسام داخلي خطير. ولقد انعكس هذا الانقسام على القارة كلها بنشوء كتلتين متضادتين تدينان بالولاء للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
لم يكن التحالف الذي أقيم ضد دول المحور متينا، إذ ظهرت بوادر الانشقاق داخل صفوف الحلفاء قبل انتهاء الحرب، ورغم تعدد الندوات، والمحاولات لتقريب وجهات النظر، لم ينفك الخلاف يتسع. لذلك خضعت التحويرات الإقليمية للأمر الواقع بينما بقيت القضية الألمانية معلقة. وفي خضم هذا الجو العالمي المتوتر والحذر المتبادل بدت منظمة الأمم المتحدة كملاذ وحيد يكفل للعالم تنظيم علاقات دولية تبعد شبح الحرب.
I- فداحة المخلّفات المادية:
1) خسائر بشرية جسيمة:
لقد تجاوزت الحرب العالمية الثانية سابقتها في قساوتها وشناعتها إذ قدرت الخسائر البشرية بحوالي 50 مليون ضحية أي ما يقارب ثلاث مرات الخسائر المنجرة عن الحرب العالمية الأولى وارتفع عدد العاجزين إلى حوالي 30 مليون. وقد تميزت هذه الأضرار بارتفاع نسبة الضحايا المدنيين التي قاربت نصف مجموع الخسائر وقد ذهبت هذه الأنفس البشرية ضحية القصف وأعمال الإبادة التي طبقها النازيون في المحتشدات ونتيجة ظهور المجاعة المنجرة عن قلة التموين. ولقد أسفر القصف الجوي لمدينة برلين في ماي 1944 على قتل 50000 شخص، وسجلت مدينة دراسد خلال فيفري 1945 200000 قتيل، بينما ذهبت 300000 نسمة ضحية القنبلتين الذريتين التين ألقيتا من طرف الأمريكان على مدينتي هيروشيما وناكازاكي في أوت 1945.
ولقد تضررت دول أوروبا الشرقية أكثر من الدول الأوروبية الأخرى وخاصة بولونيا والاتحاد السوفياتي، فبولونيا، المتضررة الأولى، فقدت %20 من مجموع سكانها أي 6 ملايين شخص، وفقد الاتحاد السوفياتي 10 % من السكان أي ما يناهز 17 مليون شخصا. وفي يوغسلافيا سجل فقدان مليون و700000 شخصا من بينهم مليون و400000 مدني. وفي رومانيا والمجر ذهبت الحرب ب 4 % من مجموع سكان كل بلد، أما في أوروبا الغربية فقد كانت هذه الخسائر محدودة نسبيا حيث لم تسجل فرنسا فقدان أكثر من 1.5 % من سكانها أي 600000 شخص، وإنقلترا 0.83 % أي 400000 شخص.
وبما أن الحرب شملت قارات أخرى فقد تجاوزت الخسائر حدود أوروبا إذ سجل اليابان فقدان مليون شخص، في حين لم تكلف الحرب الأمريكيين إلا 400000 جندي.
وانعكس هذا التفاوت الجغرافي داخل أوروبا على مواقف كل من دول أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية تجاه مصير ألمانيا بعد الحرب. فينما قبلت الدول الغربية بسرعة المساهمة في إعادة بناء ألمانيا، احتفظت شعوب أوروبا الشرقية بعدائها للدولة التي تسببت لها في انهيار طاقاتها البشرية والمادية.
2) الدمار:
شمل الخراب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية مناطق شاسعة فاقت ما كان للحرب الأولى نظرا لاختلاف الخطط العسكرية المعتمدة. فينما تركزت عمليات الحرب العالمية الأولى على جبهات قارة، اعتمدت الحرب العالمية الثانية على حركية الجبهات واستعمال وسائل تدمير متطورة، فكانت أوروبا المتضررة الأولى وخاصة في منطقتها الشرقية. ولقد اكتسى التخريب طابعا خاصا في بولونيا نتيجة تعرضها للغزو النازي واستغلاله الفاحش لثرواتها وتجهيزاتها ففقدت في سنة 1945 3/2 من تجارتها وإنتاجها الفلاحي، و4/3 من طاقاتها الصناعية لسنة 1938 أما الاتحاد السوفياتي فقد أصيبت مناطقه الحيوية خاصة أوكرانيا فانهار، تبعا لذلك، الإنتاج الفلاحي بينما تواصل الإنتاج الصناعي على عادته رغم ما لحق المصانع من تدمير، حيث قام السوفياتيون بنقل أهم التجهيزات الصناعية بعيدا عن الجبهة إلى مناطق سيبيريا والاورال. وفي أوروبا الغربية تكبدت فرنسا وألمانيا أهم الأضرار إذ خربت منطقة الشمال ونسفت طرق المواصلات ودمرت المواني (دانكرك مثلا) لكنها حافظت على أهم مؤسساتها الصناعية. لقد بقيت ألمانيا في مأمن من التدمير حتى سنة 1944 حين استهدفت مدنها إلى قصف مكثف وأصبحت برلين وكولونيا ودراسد وفرنكفورت حطاما. ورغم ذلك فقد حافظت ألمانيا على أغلبية تجهيزاتها الصناعية إذ لم تفقد صناعة النسيج إلا 25 % من طاقة إنتاجها، وحافظت المناجم على 85 % من معداتها. وقد أصاب الخراب المدن الإنقليزية حيث تضرر منزلان من جملة 7 منازل، وأصبحت مدينة كوفنتري (COVENTRY) رمزا للخراب. واجهت إذن مختلف الحكومات في أعقاب الحرب العالمية الثانية مشكلة إعادة بناء ما وقع إتلافه أثناء الحرب.
3) استفادة أمريكا:
خرجت الدول الأوروبية من الحرب العالمية الثانية منهارة وتقلصت مكانتها الاقتصادية في المجال العالمي، سجت إنقلترا خلال الحرب انخفاض أسطولها بنسبة 50 %، ومساهمتها في الحمولة العالمية بنسبة 10 %، وكانت أغلب الدول الأوروبية مدينة للخارج وخاصة للولايات المتحدة الأمريكية فأجبر العديد منها على التخلي عن جزء من مصالحه خارج حدوده. لقد عجزت إنقلترا عن تسديد 126 مليون جنيه إسترليني إلى الأرجنتين مما أجبرها على بيع الخطوط الحديدية التابعة لشركاتها في هذا البلد. وفرطت بلجيكا في قسط هام من مساهمتها في استغلال المعادن بكاطنغا (KATANGA). كانت الولايات المتحدة هي المنتفعة الأولى من الحرب إذ تخلصت من المزاحمة الشديدة للدول الأوروبية المصنعة واليابان في الأسواق العالمية واستطاعت أن تقضي على مخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية. لقد تضاعف إنتاجها الصناعي، وارتفع دخلها القوي بنسبة 75 % خلال الحرب. ودعمت أوساطها النقدية هيمنتها على البنوك العالمية، وعوض رأس مال شركاتها الاستثمارات الأوروبية في عدة مناطق من العالم وخاصة في أمريكا اللاتينية.
كما استفادت عدة دول أخرى من الحرب مثل كندا التي نمت صناعتها خاصة في صنع الألمنيوم والطيران، وأصبحت تزود إنقلترا بمنتوجاتها خلال الحرب، وتحولت من بلد فلاحي إلى بلد صناعي إذ أصبحت الأرباح المتأتية من النشاط الصناعي تضاهي 3 مرات الأرباح الناتجة عن الفلاحة. كما اغتنمت الهند والدول المرتبطة بالتاج البريطاني (les Dominions) ظروف الحرب لتطوير الصناعة خاصة في ميدان النسيج، والتحرر من سيطرة البضائع الانكليزية على أسواقها الداخلية.
إن ضعف أوروبا السياسي، وتقهقرها الاقتصادي قد أفقداها دورها القيادي في السياسة العالمية إذ أصبحت تابعة لدول عظمى جديدة.
II- أزمة ما بعد الحرب:
1) الأزمة المعنوية والفكرية:
إن الواقع المعنوي للحرب كان عنيفا جدا إذ أن هول المأساة قد أعاد للأذهان مدى فاعلية قوى الشر الكامنة في الإنسان. إن كرامة الفرد التي رفعها الإنسان الأوروبي إلى مكانة عليا وقد دوسها بشراسة خلال سنوات الحرب على جبهات القتال وخارجها حيث عمد النازيون إلى عمليات إبادة جماعية خصصت في بادئ الأمر إلى اليهود والشيوعيين، لكن سرعان ما شملت طبقات اجتماعية مختلفة كما تجلى للأوروبيين خطر التطور العلمي عندما يوجه ضد الإنسان قصد محقه وما مثال هيروشيما إلا دليل على ذلك. نتيجة لذلك اجتاح أوروبا شعور عميق باليأس والقلق والحيرة اكتسى صبغة خاصة في البلدان المنهزمة التي شعرت بالأذناب في حق الإنسانية. ولم تخفف محاكمة النازيين "مجرمي الحرب" في نورنبارغ من وطأة هذا الإحساس. فتولدت عن ذلك عدة تيارات ثقافية جديدة.
ففي الأدب شهّر "ارنست ويشارت" (ERNEST WIECHERT) بمسؤولية الألمان في الزج بالعالم في أتون الحرب. ولقد عبرت الوجودية (L’EXISTENTIALISME) عن هذه الحالة النفسية التي استبدت بالأوروبيين، فحاولت أن تجعل الإنسان يستجلي الحياة على حقيقتها، ويعيها وعيا عميقا، ويدرك قيمته الشخصية دون التأثر بالضغوط الاجتماعية. ثم لا بد للإنسان أن يعطي لوجوده معنى بالقيام بعمل يختاره لنفسه فيصبح بذلك في نفس الوقت مسؤولا وحرّا. وقد لقي كتاب جون بول سارتر (JEAN PAUL SARTRE) "دروب الحرية" صدى كبيرا لدى القراء. لكن الوجودية تجلت خاصة في فلسفة هايدقار (HEIDEGGER). وفي الميدان السينمائي ظهر تيار الواقعية الجديدة (LE NEORELASIME) الذي يعكس التمزق النفساني، وشعور القلق الذي يسود المجتمع الأوروبي. لقد تجسم هذا التيار في أفلام الإيطالي "روبرتو روسليني" (ROBERTO ROSELLINI) كشريط "روما مدينة مفتوحة 1945" (ROME VILLE OUVERTE) و"ألمانيا السنة صفر" (1948) (Allemagne ANNEE ZERO) و"سارق الدراجات".
2) التفكك السياسي:
شكلت الحرب العالمية الثانية تصادما مصيريا بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الفاشية وانتهت بانهيار هذه الأخيرة، بشنق موسيليني في ميلانو من طرف الأنصار وانتحار هتلر، وفرار هورثي من المجر، وبإلقاء القبض على الزعماء النازيين الذين حوكموا من طرف محكمة دولية في مدينة نوربارغ بجنوب ألمانيا (NEUREMBERG). وعقب سقوط هذه الأنظمة طرح مشكل إرساء النظام السياسي الجديد خاصة وأن هذه الدول خضعت مدة طويلة لحكم دكتاتوري أضعف الأوساط التحررية والأحزاب الديمقراطية. وبصفة عامة فإن الحرب العالمية الثانية قد قضت على ما تبقى من النظام السياسي القديم المتمثل في الملكية المطلقة ما عدى إسبانيا والبرتغال اللتين لم تشاركا في الحرب.
لقد عكس انتهاء الحرب داخل الدول الأوروبية تصاعد الأحزاب اليسارية نظرا للدول النشيط الذي لعبته هذه الأحزاب في صفوف منظمات المقاومة ضد النازية. وتجلت هذه الظاهرة في يوغسلافيا إذ قام الشيوعيون بقيادة "تيتو" بدور أساسي في تحرير البلاد من الاحتلال النازي، مما مكنهم من الارتقاء إلى الحكم في نهاية الحرب. وفي اليونان نشطت عدة منظمات في مقاومة النازيين برزت من بينها "حركة التحرير القومي" الشيوعية (A.E.M.). لكن البلاد شهدت، عقب التخلص من النازيين، نزاعا بين الحكومة الائتلافية اليونانية والشيوعيين منذ أواخر 1944. ولم يتوطد النظام الملكي على حساب الشيوعيين إلا بتدخل الجيوش الإنقليزية إلى جانب الحكومة. أما في إنقلترا فقد اقترن انتهاء الحرب بتفوق الحزب العمالي في الانتخابات، وبتعويض تشرشل بآتلي في رئاسة الحكومة.
وفي فرنسا، غابت الأحزاب المحافظة عن الساحة السياسية نظرا لمساندتها "لنظام فيشي" وسلوكها سياسة التعامل. بينما شارك الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي إلى جانب "حركة الجمهورية الشعبية" (M.R.T.P) في الحكومة المؤقتة التي ترأسها الجنرال دي غول. وتحت ضغط هذه الأحزاب تم القيام بعدة إصلاحات اقتصادية كتأميم مناجم الفحم، وقطاع الكهرباء والغاز، وبعض البنوك وشركة صنع السيارات رينو...لكن سرعان ما ظهر الاختلاف فيما يتعلق بنظام الحكم الجديد. فينما ساند البعض قيام نظام جمهوري تتمتع فيه المجالس بسلطات واسعة، دعا البعض الآخر لقيام نظام جمهوري رئاسي. وقد أفضت الأزمة في جانفي 1946 إلى استقالة الجنرال دي غول، والتصويت على دستور الجمهورية الرابعة في أكتوبر 1947.
ومن ناحية أخرى كانت الحرب العالمية الثانية فرصة أظهرت لسكان المستعمرات ضعف الدول الاستعمارية الغربية إثر الانهزامات التي منيت بها أمام جيوش المحور. فأيقظ هذا الضعف النسبي آمال سكان المستعمرات في الانعتاق من الهيمنة الأوروبية خاصة وأنهم شاركوا في مقاومة قوات المحور إلى جانب الحلفاء، كما أن ميثاق الأطلسي وميثاق الأمم المتحدة أقرا حق الشعوب في تقرير مصيرها. فكانت نهاية الحرب منطلقا جديدا للحركات التحريرية خاصة في الهند الصينية ومدغشقر وشمال افريقيا...
3) تباين مواقف الحلفاء ونشأة الكتلتين:
كان تحالف إنقلترا والولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي ظرفيا، حتمته مقاومة العدو المشترك المتجسم في النازية. ظهرت بوادر الانشقاق في صفوف الحلفاء قبل انتهاء الحرب في قضايا متعددة من أهمها مستقبل الأنظمة التي سيقع إرساؤها في الدول المنهزمة ودول أوروبا الشرقية التي حررها الجيش الأحمر. اختلف السوفيات والإنقليز والأمريكيون في مفهوم ديمقراطية الأنظمة. فبينما رمى الغربيون من ورائها إلى إنشاء نظام يعتمد أساسا على الحريات الفردية وتعدد الأحزاب، قصد السوفيات إرساء نظام اشتراكي يعتمد على العدالة الاجتماعية والاستغلال المشترك للثروات في ظل دولة عمالية. فاكتسى التناقض طابعا إيديولوجيا دعمته مصالح كل شق وعزمه على ضمان أمنه. فساد التخوف المتبادل اللقاءات بين الاتحاد السوفياتي والدول الغربية ولم يتوصل الطرفان إلى نتائج إيجابية في نهاية الحرب رغم تعدد المؤتمرات على مختلف المستويات. ونتيجة لذلك نشأن كتلتان كرس تباعدهما "مشروع مارشال" (PLAN MARSHALL) الرامي إلى تقديم مساعدة مالية هامة لإعادة بناء الاقتصاد الأوروبي إذا اعتبرت الولايات المتحدة أوروبا الغربية عنصرا حاسما في التوازن العالمي والأوروبي خاصة. أما الإتحاد السوفياتي فقد اعتبر هذا المخطط ظاهرة من ظواهر السيطرة السياسية والاقتصادية الأمريكية على أوروبا. وتجسم رد فعله على هذا المخطط في أكتوبر 1747 بإحداث "مكتب المعلومات الشيوعي" أو "كومنفورم" لتنسيق أعمال الأحزاب الشيوعية الأوروبية معوضا بذلك الأممية الثالثة التي حلت أثناء الحرب. وهكذا ظهر معكسران، معسكرا اشتراكي المذهب في الشرق، ومعكسر غربي رأسمالي. وقد طبع عداؤهما العلاقات الدولية بعد الحرب حيث تأزمت في عدة مناسبات: قضية برلين، كوريا...
1) صعوبة إعداد السلم:
لقد تجلى تباين مواقف الحلفاء في الندوات المتعددة التي جمعت بينهم لتهيئة صيغة للسلم ومستقبل العلاقات الدولية.
- ندوة طهران نوفمبر 1943:
جمعت هذه الندوة في العاصمة الإيرانية ولأول مرة "الثلاثة الكبار" روزفلت (الولايات المتحدة) وتشرشل (إنقلترا) وستالين (الاتحاد السوفياتي) وقد وقع تبادل وجهات النظر المتعلقة بمستقبل أوروبا الوسطى والشرقية حيث أعلن ستالين عن عزم الاتحاد السوفياتي على ضم دول البلطيق وعن حقه في بسط سلطته على جزء من بولونيا، بينما اقترح تشرشل امتداد الحدود الغربية البولونية حتى نهر الاودر. وأقرت هذه الندوة من الندوة من ناحية أخرى مبدأ تقسيم ألمانيا إلى عدة دول.
- ندوة يالطا فيفري 1945:
اجتمع "الثلاثة الكبار" من جديد قبل انهيار ألمانيا في فيفري 1945 بيالطة الواقعة بشبه جزيرة القرم بالاتحاد السوفياتي وقد سيطر فيها ستالين على سير المداولات نظرا لتقدم الجيش الأحمر في أوروبا الشرقية. لقد تعهد ستالين بإعلان الحرب على اليابان مقابل الحصول على جنوب جزر ساخلين وأرخبيل الكوريل. وأقر المؤتمرون انقسام التراب والعاصمة الألمانية إلى أربع مناطق احتلال خاضعة للاتحاد السوفياتي وإنقلترا والولايات المتحدة وفرنسا، كما تعهدوا بضمان قيام أنظمة، في الدول المحررة، عن طريق إجراء انتخابات حرة. ولقد قبل الغربيون تخلي بولونيا لصالح الاتحاد السوفياتي عن المناطق التي احتلتها سنة 1921 وتعويضها في الغرب بأراض ألمانية.
- ندوة بوتسدام جويلية 1945:
التأمت هذه الندوة عقب هزيمة ألمانيا ببوتسدام (POTSDAM) إحدى ضواحي برلين وقد ضمت ستالين، وتشرشل الذي عوضه آتلي (ATLEE) وترومان (TRUMAN) الذي أصبح رئيس الولايات المتحدة منذ وفاة روزفلت في أفريل 1945. إلى مصالح بلدانهم الخاصة. لقد طالب الغربيون بالمشاركة في مراقبة الانتخابات المزمع إجراؤها في الدول التي يسيطر عليها الجيش الأحمر، لكنهم اصطدموا بمعارضة ستالين، فرفضوا تدخلهم في المسائل المتعلقة بالبحر المتوسط. ورغم هذا الاختلاف فقد قرر المؤتمرون تصفية النازية، ومراقبة الإنتاج في الدول المنهزمة، وتخويل مجلس وزراء خارجية دولهم النظر في صيغة المعاهدات.
ولقد تعاقبت، إثر ذلك، لقاءات وزراء الخارجية في عدة عواصم أوروبية دون أن تفضي إلى اتفاق حول القضايا المطروحة، فعقدت منذ 1947 معاهدات منفردة مع حلفاء ألمانيا بينما بقي المشكل الألماني معلقا.
2) خريطة العالم الجديدة:
لم يكن رسم الحدود الجديدة، خاصة في أوروبا، نتيجة معاهدات اتفق عليها الجميع ولكنه خضع للأمر الواقع، ومن ناحية أخرى فإنّ التغييرات لم تبلغ أهمية ما حدث في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
- في أوروبا:
شملت التحويرات الإقليمية خاصة أوروبا الشرقية وانتفع منها الاتحاد السوفياتي.
لقد فقدت ألمانيا 104000 كليو مترا مربعا من مساحتها متمثلة في بروسيا الشرقية (PRUSSE ORIENTALE) وبوميرانيا (POMERANIE) و سيليزيا (SILESIE) واستقرت حدودها الشرقية على طول خط الاودر – نابس (ODER-NEISSE) وارتبطت السار (SARRE) بفرنسا اقتصاديا حتى سنة 1958.
وتخلت بولونيا عن مقاطعاتها التي احتلتها سنة 1921 لفائدة الاتحاد السوفياتي وعوضتها بجزء من بروسيا الشرقية وبوميرانيا وسيليزيا المنتزعة من ألمانيا.
وضم الاتحاد السوفياتي جزء هاما من بروسيا الشرقية واحتفظ بمناطق فنلندية، احتلتها منذ 1940، وببلدان البلطيق، وانتزع بسارابيا (BESSARABIE) من رومانيا التي فقدت منطقة دبرودجا (DOBROUDJA) لصالح بلغاريا. وخسرت إيطاليا استريا (ISTRIE) لصالح يوغسلافيا بينما صارت مدينة ترياست (TRIESTE)، مدينة حرة تحت سلطة الأمم المتحدة، وأدخلت بعض التحويرات الطفيفة على حدودها مع فرنسا، كما سلمت لليونان الدوديكاناز (DODECANESE) ورودس (RHODES). واقترنت هذه التعديلات الترابية بترحيل العديد من السكان لتفادي مشاكل القوميات التي لم تفضها سلم 1919. فشملت هذه الحركة 10 ملايين ألماني انتقلوا من تشيكوسلوفاكيا، وبولونيا والمجر إلى ألمانيا، وميلوني بولوني نزحوا من المناطق التي سيطر عليها الاتحاد السوفياتي إلى المناطق التي ضمت على حساب ألمانيا.
- خارج أوروبا:
فقدت إيطاليا كل مستعمراتها حيث استقلت أثيوبيا وألحقت بها إيريتريا وتخلت عن ليبيا والصومال فعرضت قضيتها على الأمم المتحدة التي أقرت استقلال ليبيا ووضع الصومال تحت الوصاية الإيطالية. في آسيا اضمحلت الإمبراطورية اليابانية فغنم الاتحاد السوفياتي جزر الكوريل والجزء الجنوبي لجزيرة ساخالين، واستعادت الصين مندشوريا، وتخلى اليابان عن فرموزا وكوريا، وكل الجزر التي سيطر عليها خارج مياهه الإقليمية. وبينما عاد اليابان إلى حدوده لأواخر القرن التاسع عشر، استعادت فرنسا وإنقلترا وهولندا ممتلكاتها الآسيوية.
ظهرت بادرة تنظيم العلاقات الدولية وتوطيد السلم بعد إفلاس عصبة الأمم، أثناء الحرب عندما نص "ميثاق الأطلسي" على إرساء "نظام عام للأمن قائم على قواعد أوسع"، ثم تبنت الأمم التي خاضت الحرب ضد قوات المحور هذا المبدأ متعهدة بتهيئة نظام الأمن والسلام بعد الحرب. وفي غضون سنة 1943 ساند الاتحاد السوفياتي هذه البادرة المتمثلة في إحداث "هيئة دولية قائمة على أسس المساواة بين جميع الدول المحبة للسلام" وقد تأكد هذا الاتفاق في مؤتمر طهران، وتجسمت الخطوة العملية الأولى لتطبيقه في انعقاد مؤتمر "دومبارتون أوكس" بواشنطن سنة 1944 الذي اتفقت فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين وإنقلترا على رسم الخطوط الكبرى لأجهزة المنظمة الجديدة وهي:
- الجمعية العامة
- مجلس الأمن
- أمانة السر
- محكمة العدل الدولية
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
كما تقرر أن تكون الدول الأربعة المشتركة في المؤتمر مع، فرنسا، أعضاء قارين في مجلس الأمن. ثم أقرّ مؤتمر يالطا تمثيل الدول في الجمعية العمومية، وضبط عدد أعضاء مجلس الأمن بأحد عشر عضوا من بينهم خمسة قارون يتمتعون بحق النقض (Droit de Véto) ويمثلون الدول الكبرى، وستة منتخبون لمدة سنتين بالتداول من طرف الجمعية العمومية التي تتكون من الدول الأعضاء على التوصيات اعتمادا على صوت لكل بلد عضو. وفي مؤتمر سان فرانسيسكو (SAN FRANCISCO) المنعقد في ربيع 1945 احتجت الدول الصغرى على طريقة التصويت داخل مجلس الأمن والتي تمنح الدول الكبرى سلطات أقوى من السلطات التي كانت لها داخل عصبة الأمم. واختتم المؤتمر بتوقيع "ميثاق الأمم المتحدة" في جوان 1945 فقامت بذلك رسميا منظمة الأمم المتحدة التي تهدف إلى:
الحفاظ على الأمن العالمي بالإحجام عن اللجوء إلى الحرب وضمان الحقوق الأساسية للإنسان وعدم التدخل في الشؤون الخاصة للدول الأعضاء، والتأكيد على حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتنشيط التعاون الدولي.
وقد نصّ الميثاق على أن تتكون الهيئة من فروع رئيسية:
- الجمعية العامة
- مجلس الأمن
- مجلس الوصاية
- محكمة العدل الدولية
- الأمانة العامة
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وقد ارتبطت بهذه المنظمة مؤسّسات عالمية مختصة من أهمها:
- منظمة العمل الدولية (O.I.T)
- منظمة التغذية والزراعة (F.A.O)
- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO)
- صندوق النقد الدولي (F.M.I).
رغم امتياز الأمم المتحدة عن عصبة الأمم، بطابعها العالمي فإن ميثاقها لم يخل من نقائص نظرا بالخصوص للامتيازات التي حظيت بها الدول العظمى في جهاز التقرير الأممي، إذ أن حق النقض يعطل تنفيذ قرارات مجلس الأمن ويمكن هذه الدول من صيانة مصالحها.
شكرا معلوما اقل ما يقال عنها مفيدة و قيمة
ردحذف